Close

“مطوع” راكب بورش!

ذات مرة كنت أتحاور أنا و صديقي “عبدالكريم” عن السيارات و أنواعها و بالتحديد عن الأنواع الفاخرة منها، فتطرق بنا الحديث إلى مشهد لشاب ملتزم أو “مطوع” كما يحلو للعامة أن تطلق عليه -مع أن صفة “ملتزم” هي الأصح كوننا جميعا “مطوَّعين” و لسنا مسيرين- تصادف أن رأيته أكثر من مرة في أماكن متفرقة خلال إجازتي الماضية، الشيء الذي جعلني أشير إليه هو أن ذلك الشاب كان يمتلك سيارة رياضية كوبيه أنيقة من صناعة شركة بورش (Porsche) الألمانية الشهيرة ، فمن المعروف أن هذه النوعية من السيارات تقتصر على الأغنياء و الفئات المترفة من المجتمع لاسيما و أن سعرها باهظ و لا يقل بحال من الأحوال عن 200 ألف درهم، كما أن رؤية هذا النوع من السيارات ترتبط عادة في أذهان الناس بمشهد الشباب الطائش المتهور ممن لا يقتني هذه النوعية من السيارات إلا لمعاكسة الفتيات و لفت الأنظار إليهم، و هذا ما صرح به صديقي “عبدالكريم” و إن كان بشكل غير مباشر و ذلك بقوله أن منظر ذلك الشاب (المطوع) في سيارة البورش (شاذ) و لا يتناسب مع مظاهر الصلاح و الوقار التي تبدو عليه كما أنها تجعله في موضع (شبهة) خصوصا و أنه كان ملتزما بالسنة في هيئته الخارجية من لحية كثة و ثوب قصير فضلا عن اصطحابه لزوجته المتنقبة معه مما زاد من غرابة و (شذوذ) الصورة برأيه!!..

طبعا خالفته الرأي و بشدة فما العيب في أن يمتلك الشخص الملتزم بورش أو أي نوعية أخرى فارهة من السيارات مادام مقتدرا على شرائها، فالإلتزام لا يعني بالضرورة أن يعيش الإنسان عيشة البساطة إلى درجة الكفاف، خصوصا إذا ما فتح الله عليه أبواب الرزق و الخير و كان من أصحاب الأموال، فمادام يؤدي حق هذا المال من زكاة و صدقة فلا أعتقد أن هناك مانع شرعي في أن يعيش حياة كريمة و رغدة يتمتع خلالها بمباهج هذه الدنيا دون تفريط أو إفراط فالرسول صلى الله عليه و سلم قال في الحديث الشريف الذي رواه الترمذي بسند حسن: “إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده” و سعي المسلم الملتزم لجني المال و تحصيله بوجه مشروع في الدنيا لا يتعارض أبدا مع عمله للآخرة، فقد كان الصحابي الجليل عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه من أغنى أغنياء المدينة حتى أنه عندما توفي خلّف وراءه ثروة ضخمة تقدر بملايين الدراهم إذا ما قيست بمقاييس هذه الأيام و مع ذلك فهو أحد العشرة المبشرين بالجنة ممن توفي النبي صلى الله عليه و سلم و هو عنهم راضي.

لمست اقتناعا نسبيا من صديقي “عبدالكريم” بما قلته و إن لم يكن اقتناعا كليا، و لكن أتمنى أن تكون الصورة التي كانت في مخيلته قلت حدتها بعض الشيء و تحولت من صورة (شاذة) إلى صورة (غريبة) على الأقل!

موجة:

من الأمور التي تثير العجب و الإستغراب هي أن هناك من الشباب من تجده قبل التزامه دائما في أبهى حلة و أزهى منظر فلا يرتدي من الثياب إلا الغالي و النفيس و لا يركب من السيارات إلا الأنواع الفاخرة التي يشار إليها بالبنان، و مع التزامه يتحول إلى أشعث أغبر و (تطير) كل مظاهر الأناقة التي كان يشتهر بها سابقا و بدلا من (المرسيدس) آخر موديل تجده يحشر زوجته و عياله في سيارة (كورولا) موديل 1982 مع أنه مقتدر ماديا و يستطيع أن يشتري بدل السيارة عشرة!…….و تسألوني لماذ المطوع الذي يركب بورش برفقة زوجته المتنقبة في نظر الناس يعتبر شاذا…؟!

(981)