لم أتخيل أن أقوم في يوم من الأيام بزيارة إلى دولة من دول شرق آسيا تبعد عنا آلاف الأميال لكن يبدو أن بعثتي للملكة المتحدة قامت بتغيير مجرى حياتي فحصلت المعجزة ووصلت (بقدرة قادر) إلى أرض اليابان! بل إنني قمت بزيارتها عدة مرات!
من المفارقات الطريفة التي صارت لي في إحدى زياراتي لليابان ما حدث بيني و بين سائق تاكسي ياباني المكلف بنقلي مع أحد زملائي من الميناء إلى البلدة المجاورة، ،فأذكر أنني عندما هممت بركوب التاكسي لاحظت نظرات التعجب و الاستغراب التي كان يرمقني بها السائق بين الفينة و الأخرى و كأنني (كائن فضائي من كوكب آخر) لكنه سرعان ما أفصح عن سر ذلك بعد أن لاحظ استغرابي من نظراته تجاهي مشيرا إلى (لحيتي) الكثيفة التي تزين وجهي مبديا عن مدى إعجابه بها و بحسن ترتيبها، فلقد تعودت أن لا أخففها و أن أبقيها (ظاهرة للعيان) ما خاصة أنني كنت العربي الوحيد وسط مجموعة كبيرة من البريطانيين ما بين مهندسين و ملاحين بالإضافة إلى البحارة ذوي الجنسية الفليبينية.
و استخدم سائق التاكسي للتعبير عن اعجابه لغة انجليزية ركيكة بالكاد استطعت أن أفهمها! فمن المعروف أن شعوب شرق آسيا يشتهرون بعدم كثافة اللحية (هذا إن وجدت أصلا) بعكس شعوب غرب آسيا عامة و العرب خاصة و الذي يتميزون بكثافة الشعر في ذقونهم بل قد يمتد هذا الشعر لدى البعض ليغطي العنق بأكمله!
ابتسمت في وجه سائق التاكسي و لم أزد عن شكره على إطرائه و أشحت بوجهي بعيدا خشية أن (أتوهق) معه فيصوب تجاهي (صاروخ أرض جو) تصيب لحيتي بالصلع (اللهم لا حسد)!!
و تبادر إلى ذهني في تلك اللحظة ما نره هذه الأيام من تقليعات و قصات غريبة و عجيبة امتدت من شعر الرأس و نزلت شيئا فشيئا حتى طالت الشوارب و الذقون، فـ (حمود) لا يسمح لشاربه أن (يشم الهوا) بتاتا بعد حملاته اليومية (لسلخها) مستخدما أمواس الحلاقة المتطورة (ثلاث شفرات فما فوق) في بعض الأحيان يضطر لاستخدام سكاكين المطبخ عندما تكون الحالة المادية (مش ولا بد) و لولا حادث السيارة الأليم الذي صار له قبل عدة سنوات و خلف وراءه ندبة ظاهرة على ذقنه لـ ( سلخها) هي الأخرى لكن (لزوم المغازل) ، أما (سعود) فمن شدة إعجابه باللاعب الإيطالي الشهير (ديل بييرو) الذي تملأ صوره جدران غرفته قام بتقليده في كل شيء بدءا بتسريحة الشعر و انتهاء بـ (تسريحة الذقن) فلقد أبقى على شارب رفيع جدا بالكاد يرى و لحية (مقفولة) رفيعة بدورها محددا إياها من كل الجوانب معتقدا أنه بذلك أصبح بدرجة وسامة ذلك اللاعب الإيطالي و أصر على زملائه أن ينادوه بلقب (سعود بييرو)! و لم ينجرف (عبود) وراء تلك التقليعات الغريبة فأبقى على لحيته كاملة مكتملة مكتفيا بترتيبها و تحديدها (في المناسبات) لكن الويل ثم الويل للحلاق إن قام بمجرد لمس لشاربه الكث الغليظ صاحب (الفتلتين) المتميزتين على الجنبين حيث أنه متعود على أن يفتل شاربه كلما رأى فتاة (مزيونة) فبالتالي يعرف أصحابه أنها الهدف التالي لعبود و أنها (دشت المزاج) حتى أنه عرف بين أوساط أصدقائه باسم (عبود بو فتلة) ! لكن (علوه) يرى أن وجود شعر على وجهه يجلب له (الحكة) كما أنه يمنع تغلغل (كريم الترطيب) في بشرته الحساسة فلا يرتاح و لا يهدأ له بال إلا عندما يتخلص من هذا الشعر الزائد على حد قوله مستخدما (البف باف) حيث ينتابه شعور داخلي قوي أن شعيرات الشارب و اللحية ليست سوى حشرات لابد من التخلص منها!
وددت لو أن باستطاعتي الافصاح عما يدور في داخلي لسائق التاكسي ليعرف أن (الحال من بعضه) لكني فضلت الصمت لعدم قدرتي على إيصال هذه الخواطر باللغة اليابانية، لكن يبدو أنه واثق من قدرات بني جنسه فلربما أصبح بمقدورهم تطوير (سماد خاص) لمساعدة اللحى و الذقون على النمو و من يدري قد يستخدمون قدراتهم التكنولوجية الهائلة لاختراع لحية (ديجيتال) ! !
أوصلنا سائق التاكسي إلى مركز المدينة و كانت لي هناك بعض المشاهدات… سنعرفها في المقال القادم!