Close

طبخات طالب مغترب(2-2)!

أما عن بداياتي التطبيقية مع هذه الهواية الجديدة فقد كانت بدايات مخططة و مدروسة فكما يقولون “مشوار الألف ميل يبدأ….. بطبخة!”

فتدرجت شيئا فشيئا بدءا من التدرب على تحضير أطباق الفول و (التونة) و أطباق المعكرونة بأنواعها إلى أن أتقنت طبخ مختلف أنواع البرياني و المجابيس! مما جعلني أفكر جديا بأن أقوم في نهاية بعثتي الدراسية بتأليف موسوعة للطبخ العربي أضع فيها خلاصة تجاربي (المطبخية) الحافلة بالأكل المالح و المحروق تحت مسمى “طبخات طالب مغترب”!

من أكبر المشاكل و العراقيل التي واجهتني خلال بداياتي تلك و التي كادت أن تحد من مستقبلي في هذه الهواية الممتعة؛ هي عملية تقشير و تقطيع حلقات البصل، لكن ما خفف عني مصيبتي و شد من أزري في غربتي أن هناك الكثير من فتيات هذه الأيام ممن هن على عتبة الزواج ليس باستطاعتهن تقشير حبة البطاطس (هذا إن كن يعرفن أصلا كيف يمسكن بالسكين!) و جعلن شعارهن الدائم “فرّي من المطبخ فرارك من الأسد” ، و هذا ليس بشيء مستغرب فأبناء اليوم هم نتاج طبيعي لتربية الخدم و المربيات، هذه التربية المرفهة التي كان ثمرة قطافها جيل (الفاست فود)، فلم التعب و (عوار الراس) و مهام الطبخ و غيرها من المهام المنزلية الأساسية في معظم البيوت موكلة إلى الخادمات و الطباخين الآسيويين الذين يصولون و يجولون في أرجاء مطابخنا بلا حسيب و لا رقيب !

سمعت من أحد الشباب (و العهدة على الراوي) أن صديقه الذي كان يشاركه السكن و المتكفل بأمور التغذية و الطبيخ قام بابتكار طريقة جهنمية و طريفة في نفس الوقت للتغلب على هذه المشكلة، فدأب في كل زيارة له إلى أرض الدولة على شراء كميات كبيرة من البصل و الثوم الطازج و يقوم بتكليف الخادمة التي تعمل لديهم بالمنزل بمهمة تقشيرها و تقطيعها و بالمرة قليها و تحميرها و من ثم تعبئتها في علب خاصة (عازلة للرائحة) قبل موعد السفر بفترة كافية، ثم يعمل على دسها بين أمتعته عندما يسافر تجنبا لدفع أية ضرائب قد يطالبه بها موظفو الجمارك في المطار إذا ما تم ضبطه متلبسا بالجرم المشهود (قد يعتقدون أنه تاجر بصل!) و حالما يصل و يستقر يقوم بتخزينها في (الفريزر) حتى انتهاء الكمية على نهاية الكورس ، فبذلك ضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد؛ فهو يوفر على نفسه الوقت المهدر الذي تستغرقه عملية التقشير و التقطيع و يستغله في نشاطات أخرى! و أيضا يقلل من مصاريف علب (الكلينكس) المستخدمة في تجفيف دموعه الغزيرة إذا ما قام بنفسه بعملية التقطيع نظرا لحساسيته المفرطة تجاه روائح البصل الزكية، كما أنه يساهم بذلك في تشجيع منتجات البصل المحلية و نشرها عالميا!

لكني فضلت اتباع نصيحة الوالدة (الأكثر أمانا) عندما أشارت علي باقتناء جهاز كهربائي للقيام بهذه العملية دون أية مشاكل تذكر، و نظرا لقلة خبرتي في (تكنولوجيا الطبيخ) أصبت بالحيرة و ترددت في الشراء بين عدة ماركات مختلفة لكن بعد مشاورات عديدة استقر بي المقام إلى شراء جهاز (فول أوبشن) جمع مواصفات الجودة و الكفاءة و رخص الثمن (ثلاثة في واحد) لأردد بعدها عبارة كثيرا ما أسمعها في إحدى إعلانات شامبو الأطفال: ” لا دموع بعد اليوم”!!

من اللعنات الجديدة التي حلت على الإنجليز ظهور مرض الحمى القلاعية الذي أدى إلى نفوق عدد كبير من قطعان الماشية و إعلان حالة الاستنفار في شتى أرجاء البلاد لاحتواء هذا الوباء الخطير الذي سبب خسائر فادحة لكثير من المزارعين و نشر الخوف و الهلع بين الناس بسبب التناقص الكبير في الثروة القومية للأبقار و الخنازير فلا أعتقد أن أي إنجليزي يستطيع أن يذهب إلى عمله صباحا دون أن يأكل شطيرة النقانق الشهيرة!

و كلنا يتذكر مرض جنون البقر الذي انتشر قبل عدة سنوات بين الأبقار البريطانية و منها انتقلت عدواها إلى جيرانهم الأوروبيين و أدى إلى كارثة حقيقة و هاهو جنون البقر يتلاشى تدريجيا لكنه بالمقابل حول مساره إلى بني البشر ليأتي مرض الحمى القلاعية بدلا عنه و الذي لا يقل عنه خطورة و انتشر بدوره إلى أنحاء أوروبا بالرغم من الحظر الذي فرضته المفوضية الأوروبية على استيراد الأبقار و الماشية البريطانية مما ما زادني قناعة أن (الإنجليز مافي من وراهم إلا المصايب)!، و قد كان للشباب نصيب كبير من هذا الخوف خصوصا بعد تلقوا تحذيرات شديدة من قبل أهاليهم في الدولة بمقاطعة اللحوم و جميع المنتجات الحيوانية و إيجاد بدائل أخرى إلى أن تنفرج هذه الأزمة، و حقيقة لم أكترث في البداية لعلمي أن هذا المرض لا يشكل خطرا على الإنسان و إنما يقتصر تأثيره على الحيوانات ذوات الحوافر فقط لكن مع الزيادة الفادحة في أسعار اللحوم لم أجد مفرا من الامتناع بدوري عن أكل اللحوم اتباعا للمثل القائل :مجبر أخاك…..لا بقر!) لذلك عكفت في الفترة الأخيرة على تناول الدجاج و البيض بكثرة كبديل مؤقت للحوم الحمراء إلى أن الله يفرجها لكني رأيت وجوب تناول بعض المأكولات البحرية من باب التنويع و التغيير قبل أن أفاجأ بأن الريش قد نبت في أنحاء جسدي!