Close

مغارة للإيجار!(2-2)

بعد التغيير الجذري في مسار عملية البحث من فلل إلى شقق آثرت أن أقوم بأخذ فترة نقاهة قصيرة هي بمثابة استراحة المحارب الجسور الذي لا يخشى (الإيجارات) أملا أن تساهم في التخفيف من وطأة الصدمات التي تلقيتها أثناء بحثي السابق عن فيلل للإيجار، في أثنائها علمت من أحد الأصدقاء بوجود شقق سكنية جديدة في برج ضخم يطل على كورنيش أبوظبي الساحر، فقلت لنفسي بما أنه لا مفر من الانتقال إلى شقة من جديد فمن حقي أن أحلم بقضاء ما تبقى من حياتي في شقة تطل على البحر خصوصا أن آمالي بالعيش في فيلا مستقلة قد تلاشت للأبد

فهرعت مسرعا إلى ذلك البرج قبل أن يتهافت عليها المستأجرون كالجراد و لحسن الحظ لم أجد صعوبة في إيجاد موقعه مع اللافتة الضخمة التي امتدت على عرض البرج من الخارج و مكتوب عليها بالبنط العريض عبارة (للإيجار ….اتصل بنا الآن)!، تفاءلت كثيرا بوجود مواقف تحت الأرض مخصصة لسكان البرج الضخم فمشكلة المواقف في مدينة أبوظبي مشكلة لا تخفى على أحد و قد تفاقمت في الفترة الأخيرة و لا أنكر أنها من ضمن الأسباب الرئيسية التي شجعتني على الانتقال!

لم أخش هذه المرة وجود أية أبواب موصدة في وجهي في ظل وجود ناطور البناية الآسيوي الذي يستقبل الداخلين و الخارجين مرتديا بدلته الرسمية المميزة المطرز عليها اسمه و اسم البرج الذي يعمل فيه، فاستفسرت منه عن وجود شقق سكنية شاغرة فأومأ لي بالإيجاب و اصطحبني إلى شقة من الشقق الخالية لأقوم بتفقدها و معاينتها من الداخل، و حقيقة لم ألحظ عليها أي ميزة تميزها عن شقتنا الحالية فالغرف أشبه بالدهاليز الضيقة و المطبخ بالكاد يتسع لشخصين أن يتحركا بحرية أما الميزة الوحيدة التي تتمتع بها هي أن بعض الغرف تطل على الكورنيش، فعدت أدراجي إلى سياراتي و أنا أتوقع ألا يتجاوز الإيجار السنوي مبلغ 120 ألف درهم كحد أقصى، و بالرغم من أن الشقة لم ترق لي إلا نني قمت بالاتصال على إدارة البرج لربما راقت لأحد معارفي الذي يبحث هو الآخر عن (مغارة) للإيجار، هذه المرة سمعت صوتا نسائيا عربيا فاستبشرت خيرا و قلت في نفسي: “اللهم اجعله خير” فسألتها بكل ما تبقى لي من براءة الأطفال عن الإيجار السنوي المطلوب، فأجابتني بكل هدوء أن سعر إيجار الشقق من الطابق الأول إلى الطابق الثاني عشر يبلغ مائة و ستين ألف درهم فقط و ما فوق ذلك فلا داعي لذكره حرصا مني على مشاعر القراء الكرام! فإن كنت في المرة الماضية قد تعرضت لصاعقة بقوة ألفين فولت عند سماعي لإيجار الفيلا فسماعي لإيجار الشقة أحدث هزة أرضية عنيفة بلغت قوتها تسعة (ريختر) كادت (مصارين بطني) أن تتقطع بسببها،فلم أتخيل أبدا أن يبلغ إيجار شقة صغيرة لا يتعدى عدد غرفها الأربعة غرف هذا المبلغ الخرافي بغض النظر عن كونها تطل على الكورنيش أو حتى على المحيط الأطلسي! تذكرت فيما بعد أن الناطور كان قد اخبرني بوجود صالة ألعاب رياضية و مسبح خصصا لسكان البناية، فحدثت نفسي أنه ربما يكون ذلك من ضمن الأسباب الرئيسية في غلاء إيجار الشقة هذا بالرغم من أننا لو حسبناها لو جدنا أن تكلفة الاشتراك في أرقى نادي صحي في المدينة قد لا يكلف أكثر من خمسة آلاف درهم في السنة!

قد أكون قد بالغت بعض الشيء في بعض أجزاء هذه المقال إلا أن ذلك لا ينفي واقع الغلاء الغير طبيعي في إيجارات المساكن في أبوظبي و الذي يضاهي كبرى عواصم العالم مثل طوكيو و لندن و نيويورك،و ما زال الكثيرون يعانون من صعوبة الحصول على مسكن مناسب في ظل جشع كثير من ملاك البيوت و العمارات بحجة التكلفة العالية للبناء و التشطيب الذي يكون في معظم الأحيان تشطيب (أي كلام)، لكن الضحية دائما هو المستأجر و بالمقابل المستفيد الوحيد من هذا الغلاء هو المؤجر في ظل تكفل معظم الوزارات و الدوائر الحكومية بدفع إيجارات سكن موظفيها!

على الطاير:

  • مازلت مستغربا من القانون الذي يقضي بخصم مبلغ ألفين درهم شهريا كحد أقصى أي أربعة و عشرين ألف درهم سنويا من راتب الموظفين في الوزارات والدوائر المحلية بينما يخصص له سكن متوسط إيجاره السنوي مائة ألف درهم ، وبحسبة بسيطة نجد أن الدولة تصرف خلال عشرة سنوات مبلغ يوازي تكاليف بناء بيت كامل، فلم لا تقوم الدولة ببناء مساكن للموظفين المواطنين و تأجيرها لهم على المدى الطويل و من ثم تمليكها لهم مع انتهاء المدة؟!
  • يا ليتني كنت مدرسا! عبارة رددتها و مازلت أرددها عندما علمت أن المدرس المواطن يحق له الحصول على سكن خاص لا يقل إيجاره عن مائة و ستين ألف درهم دون أن يتم خصم مبلغ الألفين درهم من راتبه.. فيا ليتني كنت مدرسا!
  • تكلفة إيجار شقة متوسطة في مدينة أبوظبي قد تعادل تكلفة إيجار (قصر) في أي مدينة أخرى من مدن الدولة.. ألا يثير هذا الأمر أكثر من علامة استفهام؟!
  • من المضحك المبكي أن أكثر الملاك يرفضون بشدة التأجير لموظفي الوزارات الاتحادية و بعض الجهات الحكومية بحجة أنهم (يطلعون روحهم) قبل أن يقوموا بصرف شيك الإيجار، و بالمقابل (ما يصدقون) إذا كان المستأجر (خواجة)!

آخر الكلام:-

ولدت في شقة…. و ترعرت في شقة… و يبدو أنني سأموت في شقة!