ما كان يثير دهشتي و استغرابي هو تواجد مهندسة أسترالية شابة معنا اختارت لنفسها أن تمتهن هذه المهنة الشاقة و التي كنت أعتقد أنها مهنة (رجالية) بحتة و لا مجال للمرأة أن تقارعنا فيها نظرا لمدى صعوبتها و ما يحيط بها من مخاطر، بل هناك كثير من الرجال من يسارع إلى إيجاد وظيفة بديلة بعيدة تماما عن هذا التخصص الصعب الذي يضطر العامل فيه إلى الغياب عن الأهل و الوطن فترة طويلة قد تمتد إلى أربعة أشهر كاملة، لكن استغرابي زاد أكثر عندما علمت أن لها رصيدا من الخبرة البحرية يقارب العشر سنوات و ليس لديها مانع في الاستمرار لفترة أطول إلى أن يمن الله عليها بزوج أو (بوي فريند) يذكرها بأنوثتها المفقودة!
من الأحداث المثيرة التي صادفتنا في الأسابيع القليلة الماضية و في سيناريو شبيه بأحداث الفيلم الشهير (تايتانيك) ما حصل لنا في طريق عودتنا من اليابان متجهين غربا نحو الخليج، حيث تمكنت أجهزة السفينة من التقاط نداء استغاثة صادر من إحدى سفن الشحن الصغيرة و كان ذلك في صبيحة يوم عاصف نتيجة لقربنا من دائرة تأثير إعصار التايفون الموسمي الذي عادة ما يكشر عن أنيابه في مناطق شرق آسيا خلال موسمي الخريف و الشتاء من كل عام مخلفا وراءه دمارا هائلا كان آخرها مقتل أكثر من مائة شخص في شمال جزر الفليبين، بعد سماعنا لنداء الاستغاثة اضطررنا إلى تغيير مسارنا بحثا عن تلك السفينة المفقودة و بقينا لمدة عشر ساعات و نحن نتتبع آثارها في محاولة منا لتحديد موقعها إلى أن وجدنا أحد زورقي النجاة الخاص بها تتقاذفه الأمواج في منطقة قريبة من إحدى جزر الفليبين، لنكتشف في وقت لاحق أن ذلك الزورق خالي من البشر بعد أن تحطمت السفينة الأم و غرقت دون أية أنباء عن أفراد طاقمها التسعة عشر الذين اعتبروا من ضمن المفقودين، إلا أن الأنباء وصلتنا فيما بعد أنه تم العثور عليهم سالمين على متن الزورق الآخر و ذلك بالقرب من إحدى الجزر النائية!
و من أطرف المواقف التي حصلت لي ما دار بيني و بين أحد المهندسين الإنجليز، فحدث أن دخلت معه في حوار جاد عن الديانات في محاولة مني لشرح الصورة الصحيحة عن الدين الإسلامي، ليقول لي مازحا: “لا أعتقد أنني سأقوم بتغيير ديانتي في يوم من الأيام إلى الإسلام؛ فليس من الصعب علي أن أتوقف عن شرب الكحول أو عن اتخاذ صديقات و خليلات خارج نطاق العلاقة الزوجية و غيرها من محرمات دينكم، لكن من المستحيل أن أنجح في الامتناع عن تناول شطيرة الخنزير الصباحية أعزكم الله! رسمت على وجهي ابتسامة باهتة في محاولة مني لإخفاء امتعاضي الشديد من مجرد تذكر سيرة هذا الحيوان و شرعت أعدد له البدائل المختلفة التي يسمح لنا كمسلمين بتناولها كلحوم البقر و الدجاج… إلخ، وبينت له مدى الأضرار الطبية التي يسببها تناول لحوم الخنزير و مشتقاته، لكنه استرسل بنفس اللهجة المرحة: “لا لا .. هذه الشطير بالذات لها مذاق خاص جدا… لا يقاوم!! فلم أملم سوى أن أهذ رأسي ضاحكا على هذا السبب الوجيه جدا!!