ما أسرع مرور الأيام و الشهور فها هي ذي السنة الأولى من الألفية الثالثة قد شارفت على الانتهاء، فلم يبق على دخول العام جديد سوى أسابيع قليلة، و لحسن الحظ لن تكون هناك (زيطة) كبيرة كالتي حدثت عند دخول الألفية الجديدة أو (الملينيوم) و ما ساد الأجواء من هرج و مرج سبقتها تنبآت و خزعبلات هي من نسج خيال المنجمين و المخرفين!
إلا أن الحنين مازال يروادني إلى القرن الماضي و أقصد بذلك الفترة من منتصف الثمانينات إلى منتصف التسعينات، فإذا عقدنا مقارنة سريعة بين السلبيات و الظواهر الاجتماعية التي كانت تسود تلك الحقبة و بين مثيلتها التي سادت أواخر التسعينات وما قبل بداية الألفية الثالثة فإنها حتما ستكون مقارنة ظالمة، فدعونا نسترجع بعض تلك الظواهر و السلبيات التي كانت و ما زالت تشكل المحور الذي تدور حوله معظم المواضيع التي طرحت عبر هذه الصفحة ، فالناظر إليها سيجد تسلسلا عجيبا ، فكل ظاهرة تجر وراءها أختها، فهناك ظواهر قلت و ربما اندثرت و بالمقابل شهدت الأعوام الأخيرة تفاقم ظواهر أخرى و ظهور أخرى جديدة لم تكن معروفة في مجتمعنا من قبل و مثال على ذلك ظاهرة الدردشة الإلكترونية و ساحات الحوار التي دار حولها كثير من اللغط و غيرها من السلبيات التي صاحبت الثورة التكنولوجية الهائلة في مجال الاتصالات.
و إذا تحدثنا عن الظواهر و السلبيات المصاحبة لبعض فئات الشباب و المراهقين فسنرى اختلافا كبيرا بين ما كان يطرح سابقا و ما يطرح حاليا، فبالأمس كنا نرى نظرات الاستهجان و الاستنكار تصوب نحو أي فتى يدخن السيجارة في الأماكن العامة و شتان بين الأمس و اليوم ،فمع عصر المقاهي و (الشيش) أصبح من المألوف رؤية مجموعة من الفتيات المتشحات بالسواد يدخننن الشيشة و يرتشفن (السحلب و الزعتر) بلا أدنى حياء حتى و لو صوبت (صواريخ) من نظرات الاستنكار!
و عن القصات و التسريحات التي تسود هذه الأيام، فبعد أن شبه اندثرت قصات (المارينز و الفلات توب) التي ظهرت إبان حرب الخليج، حلت محلها تسريحة (فرساتشي) الأنيقة التي تناسب جميع الرؤوس باختلاف أبعادها و أحجامها، و لأصحاب الشعر (المفلفل) فلم تعد هناك أي مشكلة فحمامات الزيت و كريمات التمليس ستجعل شعورهم ملساء كالحرير،أما التسريحات النسائية فلا زال الوضع متقلبا بين تسريحتي (عرف الديك و عش الغراب)!
و مما يبشر بالخير هو صمود الثوب الرجالي الوطني وسط أعاصير الموضة النسائية فلم تطرأ عليها سوى تعديلات طفيفة جدا طالت الألوان فقط، ففي أوائل التسعينات سادت موضة اللون (الأصفر الكركمي) بدرجاته المقارب للون رمال الصحراء الذهبية ثم تغيرت الموضة في منتصفها إلى اللون الأبيض المزرق أو (الجويتي) كما يحلو للبعض أن يطلق عليه تيمنا بلون خليجنا العربي و مع نهاية التسعينات استحدث قماش الطربال القطني السميك (المضاد للرصاص) و الذي يصدر مرتديها صوت (خشخة) تسمع من على بعد كيلو ومن ثم تعود الموضة أدراجها هذه المرة إلى اللون الأبيض (الحليبي) باحثة عن موضة جديدة و لون جديد مع بداية ألفية جديدة!
و لننتقل إلى المشاكل الاجتماعية فسابقا كانت الشكاوي منهالة من قبل الزوجات عن هروب أزواجهن من البيوت بعد أن أصبحت المقاهي ملاذهم الآمن من طلباتهن التي لا تنتهي و لكن مع الألفية الثالثة انقلبت الآية، فأصبح لكل زوجة ضرتان يزاحمنها زوجها و المصيبة أنهن يعشن معها تحت سقف واحد! انهما التلفاز و الإنترنت و بفضلهما أصبح الزوج لا يستطيع أن يفارق منزله، و صارت كل زوجة تشتكي لجارتها جلوس زوجها في المنزل و تجاهله لها، فلا توجد لا طلعات و لا زيارات، فهو إما مبحر في شبكة الإنترنت عبر كومبيوتره الشخصي أو متسمر قبالة التلفاز يتنقل بين (قنوات الصبايا) الفضائية!
و هناك ظواهر العنوسة و عزوف الشباب عن الزواج و غلاء المهور و الزواج من أجنبيات و غيرها من السلبيات التي دار حولها كثير من الجدل و النقاش، و لكنها بفضل الجهود المبذولة من قبل المسؤولين في تناقص مستمر و لله الحمد حسب ما تبينه آخر الإحصاءات، أما طوابير الخريجين و الخريجات فهي في (تناسب عكسي) رغم المحاولات (المستحية) لبعض شركات القطاع الخاص المساهمة في عملية التوطين، و العجيب أن الخريجين القادمين من الخارج نراهم يستقبلون استقبال الأبطال و يجدون الطريق مفروشا أمامهم بالورود و الكل يتهافت على توظيفه دون الحاجة إلى ابتلاع أقراص فيتامين (و)!
وسجل أحد الفيديو كليبات لهذا العام أعلى معدل نطات و قفزات حسب مقياس (ريختر) الفني مما أسفر عن إصابة كثير من المشاهدين بالصداع و (زغللة) العيون، كما حطم نفس الفيديو كليب الرقم القياسي السابق الخاص بأكبر عدد للراقصين و الراقصات المشاركات مما استلزم توفير عشرات (الشاحنات) لنقلهم إلى موقع التصوير!
و بفضل شركة اتصالات أصبح الهاتف المتحرك في متناول يد الجميع صغيرا و كبيرا، مواطنا و وافدا، فخدمة (واصل) وصلت القاصي بالداني و القريب بالبعيد و صارت الهواتف العمومية أعشاشا للعناكب تغزل عليه شباكها (و الله يرحم أيام أول) فمن كان عنده نهام (بيجر) كان يعتبر من كبار القوم، ليس لأنه صار مهندسا أو طبيبا بل لمجرد أنه امتلك جهازا سمي (بليبا)!! و لكن يبدو أن عجلة الزمن دارت مرة أخرى و انقرض النهام كما انقرضت حرفة الغوص عن اللؤلؤ من قبل و انصرف الناس عنها إلى اقتناء الأغلى و الأحدث من الهواتف المتحركة!