استكمالا للموضوع السابق فمن أطرف القصص التي أتذكرها عن الثغرات التي كان يستغلها بعض الشباب أن أحدهم أراد أن (يكشخ) و يظهر في أبهى حلة و أزهى منظر في إحدى المناسبات المهمة ، لكنه اكتشف أن الميزانية المتبقية لذلك الشهر لا تسمح بمشتريات جديدة فما كان منه إلا أن ذهب إلى أحد متاجر الملابس الشهيرة واشترى له أحدث بدلة معروضة باستخدام احدى بطاقاته الإئتمانية العديدة ليحضر فيها تلك المناسبة و ما أن انتهى من ارتادئها و استعراضها أمام الجمهور الغفير حتى قام بإعادتها من جديد إلى المتجر بعد أن تأكد من كيها و حسن ترتيبها مدعيا بأنها لا تناسبه ليستعيد ثمنها كاملا دون أن يغفل إرجاع ملصق السعر إلى مكانه الأصلي! و آخر استشعر الخطر مع اقتراب موعد الامتحانات النهائية و ندم على تردده في شراء نوع معين من الآلات الحاسبة التي بإمكانها أن تحل أصعب المسائل بضربة زر واحدة، إلا أن استخسر على نفسه شراء تلك الآلة خصوصا و أنه على أبواب التخرج و لن يحتاجها مرة أخرى فلم يجد حرجا من شرائها و استخدامها طوال فترة الاختبارات و لم يتردد صاحبنا في إعادتها مرة أخرى إلى المتجر و لكن قبل انتهاء مهلة الـ 14 يوم بسويعات قليلة!
أحد المتاجر الكبرى المتخصصة في بيع الملابس تورطت مع مجموعة من الشباب الخليجيين بعد أن أتاحت لهم فرصة الحصول على بطاقة مميزات المتجر و التي تخول حاملها بشراء ما يعجبه من ملابس و ملستزمات و الدفع بالأجل على شكل أقساط مريحة إلا أن هؤلاء الشباب اتبعوا مبدأ (و إنت رايح..كثّر من الفضايح) فقاموا بشراء ما خف وزنه و غلا ثمنه مستغلين انتهاء فترة دراستهم و ضمانهم لعدم العودة إلى البلاد من جديد، و كان من الطبيعي أن (تعمم) إدارة المحل على جميع الشباب و الطلبة الخليجيين و ترفض منحهم تلك البطاقة بشدة و لسان حالهم يقول (ما أبي أسمع رجاوي ..ما أبي أسمع حلول)!
و إذا ما أجرينا مقارنة سريعة بين التسوق في البلاد الأوروبية و بين التسوق في أسواقنا المحلية فإنها حتما ستكون مقارنة ظالمة، فأول ما يصادفك عند دخولك لأغلب المتاجر و المحلات المنتشرة عبارة عادة ما تكون مكتوبة بأحرف مذهبة و محاطة ببرواز أنيق معلق في صدر المتجر تقول: (البضاعة المباعة لا ترد و لا تستبدل) و هذا يعني أن المحل يتبرأ من البضاعة و الزبون حالما يغادران أرض المتجر أما الفاتورة فما على الزبون سوى أن (يبلها و يشرب ميتها)،و إذا ما حصل و وجد عيبا في السلعة التي قام بشرائها – و هذا أمر معتاد- فعليه أن يحلف بأغلظ الأيمان و ربما يطالب بإحضار شهود عيان بالإضافة إلى شهادة حسن سيرة و سلوك صادرة من الجهات الأمنية فقط كي تصدق إدارة المحل أن العيب كان موجودا من الأساس و ليس مفتعلا ،و عن خدمات ما بعد البيع فحدث و لا حرج فمن النادر أن تجد من الوكلاء و الموزعين من يلتزم بمواعيده المحددة في إنهاء عمليات الصيانة و بالذات في قطاع المعدات و الأجهزة الإلكترونية، و إذا ما حصلت المعجزة و عادت الحياة إلى جهازك ليعمل من جديد فعليك أن تستعد لدفع المبلغ الفلكي الذي ستطالب به بالرغم من أن الجهاز مازال تحت الضمان متعذرين بأنه لا يشمل قطع الغيار!
طبعا أغلب التنزيلات التي تعلن عنها بعض المتاجر و المحلات بين فترة و أخرى ما هي إلا (لعب عيال) و ضحك على ذقون المتسوقين المساكين فإما أن تتم زيادة أسعار البضائع قبل فترة كافية من إقامة التنزيلات لتعود إلى أسعارها الحقيقية تحت مظلة التنزيلات أو أنها ليست سوى عبارة عن (ستوكات) شبعت الفئران من قرضها داخل المخازن بعد أن تورط المحل في شرائها و أراد التخلص منها، فأذكر أنه قبل فترة ليست بالبعيدة كنت في كل مرة أتصفح فيها الجريدة اليومية أشاهد نفس الإعلان لأحد معارض الملابس و الأزياء الشبابية يعلن فيه عن تنزيلات كبرى تصل إلى 70% على جميع أنواع الملابس و المصنوعات الجلدية من أشهر الماركات العالمية ليستمر ذلك الإعلان و يتكرر إلى أن يمتد إلى عدة شهور ليتحول فجأة إلى تصفية شاملة و بيع (براس المال) بسبب الانتقال و هدم البناية، و لا أدري أي بناية تلك التي يستغرق هدمها كل هذه السنوات؟
و في حين تتنافس المحلات و الأسواق التجارية في البلاد الغربية على إقامة (تنزيلات) كبرى و توزيع الهدايا المجانية على المتسوقين في مواسم الأعياد من باب مشاركة الناس في أفر احهم و احتفالاتهم، تشهد اسواقنا العكس تماما بعد أن يقرر أغلب التجار القيام بإجراء (ترفيعات) كبرى على كافة أنواع البضائع و السلع الاستهلاكية تجعل أرباب الأسر يبكون ألما و حسرة و يضربون كفا بكف على رواتبهم التي تصبح (هباء منثورا) قبل أن تشرق شمس أول يوم في العيد!
ليس هذا بمستغرب في ظل الغياب الملحوظ للرقابة على التجار من جهة و (سبات أهل الكهف) لجمعية حماية المستهلك من جهة أخرى و التي لم نر لها أية جهود تذكر ضمن إطار حماية حقوق المستهلكين كما يدل مسماها، فجولة سريعة في الأسواق في مواسم الصيف و الفترات التي تسبق الأعياد تكفي لمعرفة مدى جشع التجار الذين يتلاعبون في الأسعار كما يتلاعب المضاربون بأسعار الأسهم في البورصات العالمية في حين نرى مثيلاتها في الدول الأوروبية و الغربية تلعب دورا حيويا و هاما في المحافظة على ثبات الأسعار و التأكد من جودة المعروض مما يشعر المستهلك في تلك البلاد بالثقة و الأمان لأنه يعلم علم اليقين أن من ورائه جهة مسؤولة ذات سلطة قوية تمكنه من استرداد كافة حقوقه إذا ما تعرض إلى أي عملية نصب أو احتيال كما يجعل أي تاجر يفكر مليون مرة قبل أن (يلعب بذيله) مع المستهلكين!
موجة:
من البرامج التي كنت أحرص على متابعتها في الغربة؛ برنامج أسبوعي كان يعرض على إحدى القنوات التلفزيونية المحلية، و هو برنامج متخصص في (فضح) المحلات و الشركات بأنواعها التي تقوم بالنصب و التحايل على عملائها و زبائنها، حيث يتم فيه إجراء مقابلات مطولة مع الضحايا المساكين يحكون فيه معاناتهم مع محلات منها ما قام ببيع سلع و بضائع (مضروبة) و منها من تلاعب بالضمان و منها من ماطل في عملية الاستبدال…و غيرها من حركات (النص كم) التي يقوم بها كثير من التجار في كل مكان و في كل زمان، و أكثر ما أثار إعجابي في ذلك البرنامج أنه لا يتردد في عرض أسامي تلك الشركات و مواقعها كي تصبح فضيحتها على الملأ (بجلاجل) كما يقوم في كل حلقة ببث لقطات (نصب) حية على المشاهدين كي يأخذوا حذرهم و يتجنبوا التعامل مع تلك المحلات ليعكس مدى الوعي الذي تتمتع به وسائل الإعلام الغربية و مدىاحترامها لعقلية مشاهديها في حين انشغلت فضائياتنا العربية في عرض برامج (البوب كورن) و (التوب تن) و قس على هذا المنوال!