هذه الأيام أخوض تجربة الانقطاع عن الواتساب ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل عام ، لا لأنني أصبحتُ زاهدًا، ولا لأن هاتفي تعطّل فجأة، بل لأن الضجيج تجاوز الحدّ وصارت الحياة الرقمية زحام من الاشعارات والثرثرة الزائدة ومصدر دائم للقلق والتوتر وسوء الظن.
كأثر مباشر، بدأت أُنجز عملي بتركيزٍ حقيقي، وقرأت كتبًا طالما انتظرت فرصة للعودة إليها، أصبحت أجلس مع أبنائي بحضورٍ كامل؛ أُصغي إليهم، أُحاورهم، وأتفاعل مع ما يقولون بصدق. لم يكن الأمر مجرد خطوة تقنية، بل كان تخلّيًا واعيًا عن عادات سيئة تسلّلت إلى حياتي بهدوء، حتى ظننت أنها منّي.
كنت أستيقظ، فأمدّ يدي لا إراديا إلى الهاتف كأنني أبحث عن شيء مفقود، أفتح الواتساب إما بحثا عن رسائل لم تصل فأجد أخبارًا لم أطلبها ومقاطع لا تهمني، وحوارات تبدأ عادية وتنتهي بنقاش وجودي أو توتر إضافي، وآخر ما تغمضه عيناي هي نظرة على شاشة الجوال
وسائل التواصل أصبحت للأسف مصدرًا شبه يومي للأخبار السيئة وتعكير المزاج، تراسل أحدهم فيفتح الرسالة ولا يرد، وآخر يراسلك وينتظر منك شيئًا لا تعلمه، وثالث يُلقي عليك مسؤوليات غير منطقية… بحجة أنك “متصل دائما”
اليوم؟
قررت الانسحاب، لا هروبًا… بل حفاظًا على ما تبقّى من أعصابي، ببساطة من أرادني… فليتصل، ومن لم يرد… فليطمئن، لن أزعجه برسائلي.. وان احتجته حقا فسوف أتصل..
أهلي استغربوا:
“أين اختفيت فجأة؟ لماذا ترد على الرسائل في المجموعات؟ هل كل شيء بخير؟”
نعم، كل شيء بخير بل أفضل من السابق بكثير.
هم لا يصدقونني… لكن هذه هي الحقيقة!
دخولي الآن محدود للغاية، مشاركة موقع مع عامل توصيل، صورة إيصال تحويل، أو تفاعل سريع لا يكلّفني صحتي النفسية…كما يقولون : “كلمة ورد غطاها”
تُخبرنا الدراسات أن تقليل استخدام السوشال ميديا يُقلل القلق والاكتئاب، وأنا أقول: بل يُعيد إليك نفسك التي تاهت في الزحام.
كلما خفّت الإشعارات… ارتفع السلام.
كلما قلّ الكلام… زاد المعنى.
كلما خرجت من مجموعة… دخلت في حالة طمأنينة.
هل سمعتم بمصطلح فومو FOMO Fear of Missing out أو الخوف من فوات الشيء؟
نخاف أن يفوتنا الجديد، بينما نفوّت الأهم: أنفسنا… وأوقاتنا…ومن نحب…
دمتم بود
(34)
كتبت عن فومو في مدونتي السابقة في 2012:
https://abdulla79.blogspot.com/2012/05/blog-post_5025.html
كتبت كذلك في مدونتي أنصح بإخراج الخصائص المهمة من الهاتف، إن كان الهاتف يعمل كمنبه فالأفضل شراء منبه خاص، أما تطبيقات التواصل فتترك للحاسوب بقدر الإمكان.
للأسف توقعات الناس تغيرت وأصبحنا ندمن الفوري والآن، كل شيء يجب أن يحدث الآن وأي تأخير يبدو غريب وغير متوقع ويظن الناس الظنون، لا بد من إعادة تشكيل توقعات الناس، رأيت وعرفت من يغلق الهاتف عند أذان العشاء ولا يفتحه إلا الثامنة صباحاً، هناك أناس يلغون تنبيهات الهواتف كلها لأنها المصدر الأكبر للإزعاج وضياع الوقت.
المشكلة يا عبدالله حتى لو قمت بحذف التطبيقات الملهية من هاتفك فقد تجد نفسك لا شعوريا تتجه لتطبيقات أخرى ربما لم تكن حتى تفتحها في السابق، الموضوع في نظري نفسي ومرضي ويتطلب منك جهاد مع النفس وفي حالات متقدمة ربما تدخل طبي!
من تجاربي المتقطعة في الابتعاد عن التعلق الزائد في الهاتف المتحرك، لايوجد أي شيء يمكن ان يفوت عليك،، فقط تعود على عدم مسك الهاتف وعود من حولك أن الهاتف ليس دائما معك…في البداية سيعترضون ولكن في النهاية سيتقبلون.. الأهم هو أن تصمد!!
مبارك لك هذا القرار، أسامة
لي تجربة انقطاع عن الواتساب لمدة زادت عن سنتين! النتيجة عظيمة بصراحة. أشبه بالطهارة!
أحدهم عندما التقينا عاتبني على عدم حضور مناسبة زواجه، قلت له بأن لا علم لدي بالمناسبة! قال بأنه رسل لي على الواتساب (رسالة جماعية)، فقلت له أصلا رقمي غير موجود على الواتساب.
حتى مؤخرا عند فتحي للواتساب ما زلت أختفي عنه ..
أحدهم ظل يرسل على الواتساب ثم تعب، وظن بأني لا أريد الرد عليه، فقرر التوقف مع الاعتذار.. كل هذا كرسائل واتساب.. وأنا فترتها لم أفتح الرسائل.. الغريب أنه قرر التوقف عن التواصل دون أن يتعب نفسه بالإتصال ليتحقق إن كنت حيا أو أموري طيبة!
بعض الناس وصل الحال معهم أن الواتساب هو عالمهم: التواصل، والأخبار، والعمل .. الخ
لا أعتقد أنني أقدر خوض التجربة مثلك بهذا الطول إلا أنني قررت فعليا التقليل قدر الامكان من استخدام الواتس أب ووسائل التواصل بشكل عام وأظن أنني في الطريق الصحيح حتى هذه اللحظة ..على الأقل!
مثل ما ذكرت في تعليقي لعبدالله.. أعتقد انه يجب أن تعود الناس من حولك أنك لم تعد تستخدم هذه التطبيقات وأن الهاتف ليس رفيقك الدائم وهنا سيتجلى أمامك من فعلا يحرص على التواصل معك ومن لا يحرص!