انشغلت طوال الفترة الماضية بالبحث عن مسكن جديد بعد الزيادة الجديدة في عدد أفراد الأسرة مما استلزم الانتقال إلى منزل أوسع من الحالي بعد أن أمضينا فيه قرابة السبع سنوات، و بالرغم من علمي بأن عملية الانتقال ليست بالأمر الهين أو البسيط إلا أنني كنت أشد المتحمسين لهذه الفكرة لذلك تبرعت بالقيام بعملية البحث و التقصي لعلي أستطيع أن أملأ و لو جزء بسيط من وقت فراغي و أخفف من حالة الملل التي أعيشها بعد عودتي من الخارج لاسيما و أنني مازلت عاطلا عن العمل بانتظار انتهاء إجراءات تعييني في إحدى الشركات الحكومية، ظننت أن عملية البحث لن تستغرق سوى أيام قليلة مع الطفرة العمرانية الهائلة التي تشهدها المدينة في السنوات الأخيرة، فعقدنا النية هذه المرة على الانتقال و العيش في (فيلا) بعد أن قضينا دهرا طويلا ننتقل بين الشقق السكنية المختلفة ننتظر أن يفرجها الله علينا فيلهم هيئة القروض بالإفراج عن قرضنا و قروض بقية المواطنين ممن حصلوا على منح أرضي من الدولة خصوصا و أن الأرض و المخططات جاهزة منذ سنوات عدة!
أعلنت حالة الطوارئ القصوى فعكفت على متابعة أعمدة الإعلانات المبوبة في جميع الصحف المحلية عمود..عمود بعد أن تحولت عيناي إلى جهاز (سكانر) لا تمر عليه أي شاردة أو واردة! كما أنني قمت بنشر عيون تجسس في شتى أرجاء المدينة لمساعدتي في البحث عن (فيلا الأحلام) المرتقبة بعد أن حددت لهم جميع المواصفات القياسية التي يجب توافرها بدءا من تحديد سقف الإيجار و عدد الغرف المطلوبة و انتهاء بلون الباب الخارجي!
و في أثناء عملية تصفحي المعتادة للإعلانات في إحدى الجرائد المجانية المتخصصة في نشر الإعلانات لفت انتباهي إعلان عن توفر فيلا للإيجار في إحدى المناطق السكنية الحيوية وسط المدينة و أغراني مبلغ الإيجار السنوي المطلوب مقارنة مع المواصفات المثالية المذكورة فقمت بتحديد موعد لمعاينة الفيلا و التعرف على حالتها، و ذهبت مسرعا إلى الموقع الذي حدده لي (السمسار) مصطحبا أحد أصدقائي-العاطل هو الآخر- و قد رسمت في مخيلتي صورة وردية لقصر منيف من قصور مدينة (غرناطة) ذو أسوار منيعة و عالية كسور الصين العظيم و محاط بحدائق بابل المعلقة و به (كراجات) لها القدرة على استيعاب باصات مدارس (غير مكيفة) في حال تعطلها مع بداية العام الدراسي الجديد! لكن سرعان ما تحطمت هذه الصورة مع وصولي للمكان و رؤيتي لتلك الفيلا-إن صح أن أطلق عليها هذا الإسم- التي كانت أقرب شبها بـ (مغارة علي بابا) الأسطورية!
على الرغم من الانطباع السيئ الذي حصلت عليه منذ الوهلة الأولى لرؤيتي لتلك (المغارة) من الخارج إلا أنني من باب الفضول قمت بالتجول في أنحائها أنا و صديقي لربما تمكنا من الحصول على بعض من كنوز (علي بابا) لكني لم أجد إلا جحورا صغيرة أشبه بجحور الفئران توزعت بين طابقي (المغارة) يتوسطها جحر كبير بعض الشيء مليء بالدواليب المهترئة علمت فيما بعد أنه (المطبخ)، خرجت مسرعا من المغارة بعد أن كدت أختنق من شدة الحر و الرطوبة و شكرت (علي بابا) اقصد السمسار على تكرمه بالسماح لنا بشاهدة (المغارة) و اعتذرت منه بأن مواصفاتها لم ترق إلى مستوى طموحي و لا أعتقد أن أيا من أفراد عائلتي سيتبرع بمشاركتي السكن فيها!
لم أدع مجالا لمشاعر اليأس و الإحباط أن تجد لها مكانا في نفسي بالرغم من هذه البداية السيئة فشددت الرحال إلى منطقة جديدة أحدث نسبيا من (الفريج) السابق بعد أن وصلني إشعار من أحد عيون التجسس التي قمت بتوزيعها بوجود فيلا للإيجار في تلك المنطقة و أكد علي بأنها أرقى بكثير من (المغارة) السابقة، و فعلا كان مظهرها الخارجي يكشف عن تصميم هندسي راقي (يفتح النفس) مما حمسني على رؤيتها من الداخل بالإضافة إلى موقعها الاستراتيجي وسط مجمع من مدارس البنين و البنات و بين شارعين رئيسيين، لسوء الحظ وجدت جميع الأبواب موصدة في وجهي و لا يوجد هناك أثر لأي ناطور أو حتى (علي بابا) آخر يقوم بالسماح لنا بمعاينة الفيلا و تفقد حالتها لكني استطعت الحصول على أرقام هواتف المالك من خلال الملصقات التي غطت مبنى الفيلا و حيطانها و التي ذكرتني بـ(بوسترات) المرشحين في الانتخابات البرلمانية! و قد تبين لي فيما بعد أنها مرهونة لإحدى البنوك الوطنية و مدارة بواسطته، و بما أن الوقت كان متأخرا بعض الشيء اضطررت إلى تأجيل عملية الاتصال إلى صبيحة اليوم التالي ليرد علي أحد الموظفين العرب، فاستفسرت منه عن الفيلا و إيجارها لينزل علي الجواب كالصاعقة عندما أخبرني بأن الإيجار السنوي المطلوب لا يقل بحال من الأحوال عن ربع مليون …درهم ينطح.. درهم ! و قبل أن أفيق من هول المفاجأة و يستعيد لساني قدرته على النطق سألني بلهجة غريبة: “حضرتك تقدر تدفع ميتين و خمسين ألف”؟! فسارعت بإنهاء المكالمة بعد أن شكرته بتلعثم، و عصرت مخي بعدها عصرا و أنا أحاول جاهدا استرجاع صورة تلك الفيلا في مخيلتي لعلي أتمكن من معرفة سر هذا الإيجار (الخرافي) المطلوب و قارنتها بصورة (تاج محل) في الهند الذي طالما تمنيت زيارته فلم أجد أدنى تشابه بينهما، و لا أتذكر أني شاهدت ما يشير إلى وجود تحصينات دفاعية لصد أي هجمات إرهابية أو توفر مهبط لطائرات الهيلوكبتر على سطحها أو على الأقل….حمام سباحة!
حينئذ تيقنت بأن مهمتي لن تكون سهلة أبدا مع الغلاء الفاحش الذي يسيطر على إيجارات المساكن في المدينة، لكني لم أيأس و ظللت أبحث بجد و نشاط عن (فيلا الأحلام) بعد أن تنازلت عن كثير من المواصفات المثالية التي كنت أحلم بها، فبدلا من قصر (غرناطة) اضطررت إلى البحث عن فيلا بمواصفات (بيت شعبي) طابق واحد، أما عن الأسوار المنيعة فليس ذاك بالشرط المهم فباب الفيلا الخشبي كاف لحمايتها من أعين الفضوليين، و لا أعتقد أن أي فيلا تحتاج إلى كراج مع وجود الشوارع الممهدة و المواقف المرصوفة التي قامت البلدية بتوفيرها مشكورة ليتمكن المستأجرون من إيقاف سيارتهم (فوق الرصيف) تحت ظل أي شجرة!
تجولت بعدها في كثير من الفلل و البيوت لكن بالرغم من تنازلاتي التي ذكرتها سابقا إلا أن الأمر لم يزدد إلا صعوبة و كل ذلك بسبب مغالاة الملاك في الإيجارات المطلوبة و التي تراوحت بين المائتين و الثلاثمائة ألف درهم (و إنت طالع) لفيلا قد لا يزيد عدد غرفها عن ستة غرف فقط و متواجدة في أنحاء مختلفة من مدينة أبوظبي…لا على كوكب المريخ !
في ظل المعطيات السابقة لم أجد مفرا من تعديل مسار عملية البحث و صرف النظر (مؤقتا) عن موضوع البحث عن فيلا الأحلام و البحث عن (شقة علي بابا) مناسبة عملا بالمثل القائل: (مد ريولك على قد ….إيجارك)!!
وللحديث صلة.