Close

المواطن و منطق البلاش..!!

لم تألو الدولة جهدها في توفير كافة مظاهر الحياة الكريمة للمواطنين على مدى العقود الثلاثة الماضية من عمر الإتحاد، حتى أصبح الشعب الإماراتي من أكثر الشعوب أمنا و رخاءا و صار الناس من حولنا يغبطوننا على الخير و النعمة التي نعيشها على ربوع هذه الأرض المعطاء، كل ذلك تحقق بفضل الله أولا ثم بفضل القيادة الحكيمة لصاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان رحمه الله رائد هذه النهضة و قائد هذه المسيرة المباركة.
ولا أعتقد أنني أبالغ إذا ما صرحت أنه خلال سفراتي المتعددة و احتكاكي المستمر بمختلف الجنسيات لم أصادف حتى الآن دولة على وجه الأرض توفر ما توفره الدولة من خدمات راقية لمواطنيها و لم أرى شعبا يعيش حياة رغدة و هنيئة كشعب الإمارات، فالتعليم مجاني بدءا من المرحلة الإبتدائية و حتى الفراغ من الجامعة، و كذلك العلاج الذي يتم في مستشفيات مجهزة بأحدث الأجهزة و المعدات الطبية، و مداخيل الفرد السنوية تعد الأعلى على مستوى العالم دون أية ضرائب مفروضة عليها مقارنة مع كثير من الدول التي تستقطع نسب مرتفعة تصل في بعض الأحيان إلى أكثر من النصف و غيرها من الخدمات و الإمتيازات التي يتفرد بها مجتمع الإمارات عن سائر المجتمعات.

قد يقول البعض أن هذا هو الدور الطبيعي المناط به إلى حكومة كل دولة و أن الحكومة ما وجدت بالأساس إلا لخدمة الشعب و هذه المقولة لا خلاف في أنها صحيحة، و لكن هذا لا يفسر أبدا العقلية الغريبة المعششة في عقول كثير من المواطنين التي تتكل على الدولة و تعتمد عليها في تدبير كافة المتطلبات و الاحتياجات حتى لو كانت خارج نطاق الاحتياجات الأسياسية
و أضرب مثالا بسيطا عبر عرض القناعات الراسخة لدى شريحة كبيرة من المواطنين، فالشاب بعد تخرجه من الجامعة مؤمن بأن مسألة توظيفه يجب أن تكون على رأس أولويات الحكومة دون أن يفكر و لو للحظة في خيارات أخرى كالعمل في القطاع الخاص أو التجارة مثلا، و بعد التوظيف يعود مرة أخرى يطالب الدولة بمساعدته في إكمال نصف دينه عبر منحة صندوق الزواج، ثم تتبعها مطالبة أخرى بمنحة سكنية تتمثل في بيت شعبي أو أرض سكنية -أو كلاهما!-، و لأن الإنسان لا يملأ عينيه إلا التراب فلا تقف حدود المطالبات عند المسكن فحسب بل يجب على الحكومة أن توفر مصدر دخل إضافي للمواطن عبر منح عقار تجاري أو أرض زراعية، و في معظم الحالات تقوم الحكومة مشكورة بتوفير جميع تلك المطالب أو معظمها تكفل للمواطن بذلك حياة كريمة و مستقرة ليبدأ بتكوين أسرة و ينجب أبناءا يكبرون و يترعرعون تحت مظلة الحكومة و نفس عقلية (البلاش) مترسخة في أذهانهم!

فمن أطرف و أغرب ما سمعت شكوى غاضبة لمواطن عبر برنامج استوديو1 الذي يبث يوميا عبر إذاعة أبوظبي يطالب فيها الحكومة باستبدال أرضه الزراعية بعمارة سكنية –بكل بساطة!!- و ذلك بعد أن قررت البلدية سحب دعمها تدريجيا عن أصحاب المزارع (يتمثل الدعم في شراء محاصيل تلك المزارع و بمبالغ سخية) في خطوة أثارت ضجة كبيرة بين كثير من المواطنين المؤمنين بمنطق (البلاش)!
و شكوى لمواطن آخر منح مسكنا حكوميا تقادم مع مرور الزمن و احتاج إلى صيانة عاجلة تكفلت البلدية بها مشكورة و لكن يبدو أن الدور لم يصله بعد ليتصل منفعلا: “إذا كانت الدولة لا تنوي القيام بصيانة مساكننا فلماذا تمنحنا إياها؟”……!!

مثل هذه المكالمات الغاضبة إن دلت على شيء فإنها تدل على خلل خطير لفهم دور الحكومة الذي يقتصر فقط لدى المتبنين لهذه العقلية على إعطاء المواطنين المساكن و الأراضي و توفير جميع الخدمات بشكل مجاني و بلا مقابل –و بلا شروط!- لذلك ما أن تقرر وزارة فرض رسوم رمزية على خدمة معينة أو تضطر دائرة محلية إلى رفع دعمها عن منتج ما حتى تعلو صيحات المواطنين مستنكرة هذا التغيير!
لا شك أن هناك من المواطنين من هو محتاج فعلا إلى الدعم الحكومي خصوصا أولئك ذوي الدخل المحدود -الذي صار مع الغلاء الحاصل(معدوما)- ممن يعتمدون بشكل أساسي على راوتب وظائفهم الحكومية و لكن ماذا عن التجار و رجال الأعمال أصحاب الدخل غير المحدود فإذا كانوا لا يودون تخفيف الضغط على الحكومة عبر المساهمة بمشاريع يعود نفعها للدولة والمواطنين فليفسحوا المجال أمام بقيةالمواطنين و ألا يزاحموهم على هذا الفتات، لذلك أستغرب من قصة ذلك الشاب المنتسب لعائلة ثرية معروفة والذي جاء إلى صندوق الزواج يطالب بالمنحة مع أن مبلغ السبعين ألف قد لا يكمل في حالته حتى ربع قيمة المهر!
أعتقد أنه حان الوقت أن يغير المواطنون من طريقة تفكيرهم النمطية و استبدال العقلية الإتكالية التي تعتمد على الدولة في كل شيء بعقلية إنتاجية يساهم فيها المواطنون في تخفيف الأعباء المتزايدة من على عاتق الحكومة، وأن يتكاتف الجميع لتسديد و لو جزء بسيط مما قدمته و مازالت الدولة تقدمه لمواطنيها، فاليوم نحن قلة لا تتجاوز المليونين و لكن غدا سيصل العدد إلى أربعة و خمسة ملايين و إذا استمر التفكير بهذا المنطق و هذه العقلية فلا أستبعد أن لا يكون هناك مزيد من (البلاش) بعد اليوم فدوام الحال من المحال.