من أمتع الرحلات التي قمت بها في الفترة الماضية زيارتي الأخيرة إلى مدينة ألعاب ديزني لاند في العاصمة اليابانية طوكيو في أواخر العام المنصرم، فلطالما تمنيت أن أحظى بفرصة زيارة هذه المدينة الساحرة التي يفد إليها الآلاف من الزوار كل عام.
طرأت الفكرة على بالي و نحن في طريقنا المعتاد نحو اليابان، مما جعلني أعرضها على مجموعة من الزملاء الذين رافقوني على ظهر السفينة فتحمسوا إليها بدورهم و اتفقنا فيما بعد أن يقوم أحدنا بمخاطبة القبطان لنحصل منه على إذن الموافقة، ليقوم هو بدوره بترتيب بقية متطلبات الرحلة حالما نصل إلى الميناء، و لحسن الحظ لم يبد القبطان أية ممناعة على الإطلاق بل قام مشكورا بالتكفل بدفع أجرة “الميني باص” الذي تولى عملية إيصالنا من الميناء إلى مدينة الألعاب ذهابا و إيابا، و مع أن مسافة الرحلة الزمنية لم تتعد الأربعين دقيقة فقط إلا أن أجرة السائق بلغت حوالي الـ 30 ألف ين ياباني أي ما يقارب الألف درهم لكي تعلم يا عزيزي القارئ مدى الغلاء المعيشي الفاحش الذي يعاني منه شعب اليابان!
كان مجموع عددنا أربعة أشخاص عندما وصلنا ظهرا إلى مدينة الألعاب، و أخبرنا السائق الياباني بأنه سيعود لاصطحابنا مساء في تمام الساعة الحادية عشرة مساء من نفس المكان، لننطلق مسرعين نحو مدخل المدينة بحثا عن أكشاك بيع التذاكر، وبالرغم من أن يومنا لم يكن يوم عطلة نهاية الأسبوع إلا أننا فوجئنا بالحشد الهائل من الزوار أغلبهم من العائلات الذين قدموا مصطحبين لأطفالهم المتحمسين مثلنا لقضاء وقت ممتع بين جنبات مدينة الألعاب الشهيرة.
و قبل أن يشرع كل منا في شراء تذكرة الدخول استوقفت أحدنا فتاة يابانية كانت تقوم بعملية استبيان لحصر جنسيات زوار مدينة الألعاب و كانت ورقة الاستبيان مبسطة جدا فلم تستغرق من زميلي سوى دقائق معدودة فلم يكن عليه سوى أن يقرأ الأسئلة المكتوبة بعدة لغات و من ثم يختارالأجوبة المناسبة لتتولى هي عملية الإشارة أمامها بعلامة (X)، و انصرفت بعدها و هي تومئ لنا برأسها بتلك الإيماءة اليابانية التقليدية شكرا على الدقائق القليلة التي أخذتها منا.
أصبت بغصة في حلقي عندما طالبتني بائعة التذاكر بدفع مبلغ يقارب الخمسين دولار أمريكي ثمنا لتذكرة الدخول، و كنت على وشك أن أغير رأيي و أعود أدراجي فرسم الدخول لأرقى الحدائق و المنتزهات في الدولة لا يتعدى العشرين أو الثلاثين درهم على أكثر تقدير و مع ذلك تجد عند بوابات الدخول من الفوضويين من يثير بلبلة و ضجة احتجاجا على غلاء أسعار التذاكر!، تذكرت أن سعر التذكرة يشمل ركوب جميع الألعاب المختلفة داخل المدينة، ففوضت أمري إلى الله و دفعت المبلغ المطلوب لتناولني التذكرة إضافة إلى خريطة مفصلة لأنحاء المدينة عليها أماكن الألعاب و المرافق المختلفة، لأهرول بعدها مسرعا كي ألحق بالركب المتجه نحو البوابة.
بالرغم من الزحام الشديد إلا أننا لم نستغرق زمنا طويلا حتى وجدنا أنفسنا على الطرف الآخر من البوابة بعد أن اصطف الناس في طوابير منتظمة الكل فيها ملتزم بدوره فلا يوجد هناك ما نشاهد عادة في طوابيرنا من فوضى و تعد على النظام، كأشخاص يمشون (فوق) الطابور أو يزحفون من (تحته) أو من يأتي ليطلب منك بكل أدب أن تسمح له بالقيام باستفسار بسيط جدا جدا و تفاجأ بأنه قد احتل مكانك! و الأدهى و أمر هو عندما تأتي سيدة لطابور مليء بالرجال لتجدها وصلت بقدرة قادر إلى أول الطابور بالرغم من وجود مسار آخر مخصص للنساء!، لذلك لا غرابة أن يأتي الواحد منا إلى أي وزارة أو دائرة حكومية فجرا قبل أن يصيح الديك و لا يخرج منها إلا مع عواء الذيب!
نعود مرة أخرى إلى أرض اليابان بعد فاصل قصير حول الطوابير و شجونها، أول ما وقع عليه بصري عندما دخلت المدينة كان مجسم لقلعة سندريلا الأسطورية و أمامها ساحة دائرية واسعة مغطاة بأنواع مختلفة من الأزهار و النباتات في منظر بديع و خلاب يسحر الألباب، حينها تذكرت أنني نسيت جلب كاميرا التصوير الخاصة بي، فهرعت إلى شراء واحدة من محلات الهدايا المنتشرة على جوانب المدخل، و وقفت أنا وزملائي نلتقط بعض الصور التذكارية أمام هذا المنظر الجميل، مما شجع إحدى السيدات اليابانيات -التي ربما اعتقدت أنني أحد المصورين المحترفين- أن تطلب مني بكل لباقة أن ألتقط لها صورة عائلية أمام القلعة، فلم أملك إلا أن ألبي طلبها بكل رحابة صدر و أنا أجزم أنها لو شاهدت الكاميرا التي أحملها و علمت أنها من نوع “ميكي ماوس” و الذي يستخدم لمرة واحدة فقط لكانت غيرت رأيها!
كانت المدينة كبيرة جدا لدرجة أن زيارة واحدة لا تكفي بالتأكيد للتجول في كافة أنحائها و مرافقها، ونظرا لأن وقتنا كان محدودا جدا عزمنا على أن نحاول قدر الإمكان أن نغطي جميع الأماكن و أكثرها إثارة، فعهدنا إلى أحد الزملاء منصب القيادة و وليناه مهمة التخطيط و اختيار الأماكن من خلال الخريطة المرفقة التي قسمت فيها المدينة إلى مناطق منفصلة أفرد لكل منها لون مميز تيسيرا لعملية البحث، ووقع اختيارنا على إحدى الألعاب المائية المثيرة فأسرعنا الخطى نحوها لنصدم بطابور طويل من الزوار امتد إلى أمتار عديدة لكننا لاحظنا وجود مسار آخر موازي يؤدي إلى نفس اللعبة يدخل منه مجموعة من الناس دون الحاجة إلى الوقوف في المسارالأول المزدحم و الذي رفعت فوقه لوحة إلكترونية تقدر الزمن اللازم للوصول إلى نهاية المسار بـ 45 دقيقة، ظننا في البداية أن في الأمر(واسطة) فاقتربنا قليلا لنتبين أن القائمين على المدينة قاموا بابتداع طريقة مبتكرة للتخفيف من حدة الازدحام عند الألعاب التي عليها إقبال شديد، حيث بإمكانك اختيار إحدى طريقتين، فإما أن تقف في الطابور المعتاد و تنتظر إلى أن يحين دورك، أما إذا كنت من المصابين بعقدة الوقوف في الطوابير فهناك خيار آخر أكثر سهولة فما عليك سوى أن تقوم بإدخال تذكرة الدخول الخاصة بك في إحدى الأجهزة الإلكترونية المجاورة للعبة المختارة لتقوم بإصدار بطاقة صغيرة مدون عليها توقيت محدد بإمكانك العودة فيه لاحقا لتدخل من المسار السريع الموازي وبذلك تتجنب عناء الوقوف في الطوابير الطويلة.
اقترح أحدنا أن يأخذ كل منا تذكرة لتلك اللعبة و أن نتبع نفس التكتيك مع جميع الألعاب التي عليها زحام توفيرا للوقت، فاستصدر كل منا بطاقة حدد فيها موعد الرجوع بعد ساعة تقريبا، و اتجهنا نحو لعبة أخرى إلا أن الزحام لم يكن عليها بأقل من اللعبة الأولى فلم نجد مفرا من اتباع التكتيتك الذي اتفقنا عليه، فكررنا نفس الخطوات السابقة مع أحد الأجهزة لكن الغريب أنه رفض أن يعطينا موعدا كما فعل الأول لكنه أصدر عوضا عن ذلك بطاقة عليها رموز باللغة اليابانية لم نفهم منها بالطبع حرفا واحدا و مما زاد الطين بلة مقدم إحدى الموظفات إلينا بعد أن رأت ملامح الحيرة بادية على وجوهنا فألقت نظرة على بطاقة احدنا ثم أخذت تهمهم بكلمات باللغة اليابانية و هي تومئ لنا برأسها بإيمات سريعة و متتابعة دون أن نفقه شيئا مما تقول!
مالذي كانت تهمهم به تلك الموظفة اليابانية و ماذا كانت تحاول أن تفهمنا إياه؟! تجدون التفاصيل و بقية الأحداث المثيرة في الحلقة القادمة..!!