عرفنا في المقال السابق كيف استطاع “راجو” أن ينفد بجلده من الورطة المحرجة التي وضعه فيها “أبو الشباب” بعد أن طلب منه تسريحة (التمساح بدون ذيل) و كيف استطاعت تسريحة (وحيد القرن بدون قرن) أن تفي بالمطلوب بعد أن نالت استحسان الزبون ، مما شجع راجو على أن يكمل دراساته العليا في مجال التسريحات الشبابية، و اليوم سنحاول أن نلقي مزيدا من الأضواء على آخر المستجدات في حياة “راجو” و رفيقه “بابو”.
أخيرا قرر “راجو” أن يقوم بزيارة لوطنه بعد غياب دام سنين طويلة انشغل فيها بتأسيس صالونه الراقي الذي أصبح في المدينة أشهر من نار على علم، على أن يعهد بإدارة الصالون إلى شريكه “بابو” و وعده أن لا تطول مدة غيابه عن ستة شهور هي المدة القانونية المسموح بها بالتغيب عن أرض الدولة لحملة الإقامة، وعقد النية هذه المرة أن يكمل نصف دينه بعد أن قضى دهرا طويلا من الزمان عازبا بلا امرأة تؤنس وحدته أو ولد يحمل راية الصالون من بعده خاصة بعد الأزمة النفسية التي أصابته نتيجة لرفض السفارة طلبه بإكمال دراسته العليا في مجال القصات و التسريحات الشبابية فقد كان يأمل بأن يحصل على شهادة الدكتوراة بعد أن كتب دراسة مستوفاة استغرق تحضيرها وقتا طويلا كانت بعنوان: دهن التاتا..مضار محدودة و فوائد غير محدودة!
سافر “راجو” بعد أن ودع صديق عمره “بابو”،و هناك استقبله أهل قريته بحفاوة بالغة و أقاموا الاحتفالات و الليالي الملاح ابتهاجا بعودة البطل القادم من بلاد الخليج بعد غياب امتد إلى ربع قرن من الزمان، وعلى ما يبدو أن الإشاعات كانت قد تسربت إلى القرية بمقدم “راجو” المظفر و عزمه على الزواج، فتهافت الجميع على كسب وده و تزويجه من إحدى بناتهم، فخلافا لثرائه الفاحش و منصبه المرموق فلربما مصاهرة أحدهم له قد تجعل “راجو” يتوسط لدى كفيله ليستخرج له تأشيرة تفتح له أبواب الثراء كما فتحت لـ “راجو” من قبل! لكنه لم يكترث بهم و اختار أن يقترن بابنة عمه “ساندرا” التي لم تغب عن ذهنه منذ أيام الصبا، ففاتح “راجو” عمه بما عزم فلم يتمالك نفسه من شدة فرحته بابن أخيه فأطلق (زغروطة) مدوية هزت أرجاء القرية كانت كافية في نفس الوقت لإنهاء الأحلام الوردية لبقية الأهالي !
استعد “راجو” لحفل زفافه فبناء على العادة المتوارثة عندهم يتكفل أهل العروس بكل مستلزمات العرس، حتى المهر عندهم يدفعه والد العروس للعريس بعكس المتعارف عندنا، فلذلك الرجل الذي عنده بنات بلغن سن الزواج في ورطة كبيرة، لكن “راجو” أبى إلا أن يساعد عمه في تكاليف العرس نخوة منه و شهامة، فمازال يتذكر كلمات كفيله جيدا و إلحاحه عليه بالبحث عن أكبر عدد من أصحابه ممن يرغبون بنقل كفالاتهم و الانضمام تحت لوائه الذي يضم العشرات من المكفولين مقابل مبالغ (رمزية) مبررا ذلك بالديون المتراكمة على رأسه بسبب تكاليف زواجه الباهظة على الرغم من مضي أكثر من عشر سنوات على حفل زفافه !
أقيم حفل الزفاف وسط أجواء احتفالية صاخبة شارك فيها جميع أهالي القرية و ممثلون من جميع قرى المحافظة ابتهاجا بزواج ابنهم البار “راجو” الذي وجد في هذا التجمع فرصة سانحة ليقوم بإلقاء خطبته العصماء التي قام بإعدادها مسبقا حتى يبين لأهل قريته حبه و امتنانه لهم، فقام “راجو” من مكانه منتشيا و هو في أبهى حلة و أزهى منظر ليسكت الجميع وكأن على رؤوسهم الطير مترقبين لما سيحدث، مما شجع “راجو” على الحديث مبتدئا كلامه بالشكر و الثناء لجميع الأهالي بدون استثناء على كرمهم و حسن ضيافتهم له حيث اعتبر ذلك جميلا في عنقه لابد له من تسديده عاجلا أم آجلا، و بدأ بإطلاق تصريحات رنانة كانت بمثابة البلسم الشافي لقلوب الجميع و خاصة ممن كانوا يأملون بمصاهرته، فوعدهم “راجو” أن لا يألوا جهدا في البحث عن فرص عمل لجميع أفراد القرية في بلاد الخليج و بالمقابل أن يبحث عن أكبر عدد من الكفلاء حسب قوانين تلك البلاد ممن سيقبلون باستقدام عمال من جميع الأعمار مقابل مبالغ رمزية مستغلا شبكة معارفه القوية، ليساهم بذلك في إنهاء ظاهرة البطالة التي تفشت في أنحاء القرية، فكل من يحمل رخصة قيادة سوف يستقدم كسائق خاص أو سائق (باص) إن لم يكن له نصيب في الأولى مع وعد أن ينجح في امتحان (الشارع) من المرة الأولى، و بشر كل من يهوى الطبخ أن يحصل على تأشيرة بمهنة (طباخ) قريبا خصوصا أن أعداد كبيرة من الفتيات يشترطن وجود طباخ في المنزل لإكمال الزواج، هذا على أن ينمي مواهبه في تعلم كيفية طهي المأكولات الخليجية و بعض الأكلات الغربية كنوع من التغيير، و لمن فاتها قطار الزواج فإن استقدامها كخادمة سينسيها آلام العنوسة و من يدري لعل القدر يبتسم أخيرا و تجد لها عريسا في بلد الخليج!
هلل أهل القرية و صفقوا فرحا بتلك التصريحات و الوعود و تهافت الجميع للحصول على توقيع “راجو”، و من ثم حملوه على الأعناق مرددين اسمه بين الآفاق و توجهوا به إلى بيت العروس “ساندرا” التي كنت تنتظر عريسها “راجو” على أحر من الجمر!
انتهت مراسم الزفاف و استبشر الأهالي خيرا بتلك الوعود، أما راجو فسافر بصحبة “ساندرا” إلى إحدى العواصم الأوروبية لقضاء شهر العسل، لكن كما يقال بالعامية : (الحلو ما يكملش) فلقد عكر عليهما صفوهما مكالمة صديقه”بابو” الذي اتصل مستنجدا و مطالبا “راجو” العودة بأسرع وقت ممكن نظرا لأن أحد مفتشي البلدية قد زار الصالون و قرر إغلاقه لعدم استيفائه لشروط النظافة العامة، مما اضطر “راجو” أن يقطع “العسل” و أن يعود مسرعا إلى بلاد الخليج واعدا “ساندرا” أن يرسل لها تأشيرة (إقامة جبرية) حالما تستقر الأمور و تهدأ الأوضاع و ينتهي من تجهيز عش الزوجية!
أما أهل القرية فمازالوا ينتظرون أن ينفذ “راجو” وعوده لهم بعد أن جهز كل واحد منهم أموره و رتب أغراضه و حزم أمتعته و ابتاع تذكرته استعدادا للسفر حيث لم يتبق إلا استلام تأشيرات “راجو”!!