Close

الزر اليتيم!

تشتهر منطقة الخالدية في العاصمة أبوظبي بانتشار دور الخياطة النسائية و صالونات التجميل حتى غدت بمرور الأيام من أكثر المناطق حيوية و ازدحاما، عن نفسي لا أحبذ الذهاب إلى تلك المنطقة خصوصا في الفترة المسائية التي تكتظ خلالها شوارع المنطقة بالسيارات مما يجعل حركة السير بطيئة جدا و التي غالبا ما يكون المتسبب بها مجموعة من الشباب الطائش انشغلوا بملاحقة مجموعة تائهة من الفتيات لم يحلُ لهن التسوق إلا بالليل، و لكنني أجد نفسي مجبرا في بعض الأحيان أن أرافق أسرتي لقضاء احتياجاتهم الضرورية من تلك المنطقة إلا أنني أتجنب قدر الإمكان الاقتراب من محلات تفصيل العباءات النسائية المتمركزة في تلك المنطقة هي بدورها، فمجرد التأمل في واجهات و (فاترينات) العرض يثير بداخلي مشاعر الغضب و الحنق فأنا لا أتحمل أبدا مشاهدة عباءات هذه الأيام ذات التقليعات و التصاميم الغريبة التي لا تمت بأدنى صلة إلى معاني الستر و الحشمة، و التي صارت للأسف مظهر جديد من مظاهر السفور الابتذال و إبراز مفاتن الجسد و أماكن الجمال في المرأة بعد أن طرزت أطرافها و ضيقت جوانبها و شف قماشها و أدخل في تفصيلها كل ما يخطر و ما لايخطر على البال من مظاهر الزينة و البهرجة المتكلفة التي تجد من النساء من يتلقفها و يتفنن في عرضها بكل رحابة و سرور!

أذكر أنني حاورت أحد العاملين في إحدى المحلات ناصحا إياه بأن ينتهي عن هذا المنكر الذي يشجع عليه هو و غيره من أصحاب المحلات، فكان عذره في ذلك أن (الجمهور عاوز كد) بل و أخبرني بأنه دائما ما يناصح زبائنه من النساء بالالتزام بالوقار و الحشمة و لكن القليل جدا حسب قوله من تكتفي بتفصيل العباءة المحتشمة الخالية من أي مظهر من مظاهر الزينة، بل للأسف في كثير من الأحيان يأتي الزوج مع زوجته و الأب مع ابنته ليساعدها على اختيار(الموديل) الأحدث و الأنسب لها!

و لا غرابة في ذلك في ظل ضعف الرقابة من قبل أولياء الأمور و انجراف النساء نحو كل ما جديد و غريب، فمن كانت بالأمس تتمسك بلبس العباءة (الإسلامية) و لا ترضى لها بديلا- و هو مصطلح تعرف به العباءة المحتشمة الخالية من أي مظهر من مظاهر البهرجة- صارت لا تمانع في تزيين عباءتها ببعض التطريز و إضافة بعض الرتوش الخفيفة بحجة أن ذلك غير ملفت للأنظار، و من كانت تصر على أن تكون العباءة واسعة و فضفاضة أصبحت اليوم ممن ركبوا الموجة (الفرنسية) ، أما آخر الصيحات و التقليعات في عالم العباءات العصرية فهو التخلي عن جميع الأزرار التي تستخدم لربط طرفي العباءة و الاكتفاء بزر واحد (يتيم) فقط يتم له اختيار مكان استراتيجي ليلعب دوره في الإغراء و إبراز المفاتن، و (عباءة الزر اليتيم) هذه تعد أنسب أنواع العباءات لفتيات الجامعات و الكليات ممن يضعن الأناقة و (الشياكة) على رأس قائمة أولوياتهن و يعتبرن قاعات الدراسة المكان الأمثل لعرض آخر تقاليع الأزياء و خطوط الموضة الحديثة و خصوصا اللواتي لا يجدن حرجا من لبس البنطلون تحت العباءة! كما أنها أفضل أنواع العباءات لمرتادي حفلات الأعراس اللاتي لا يحضرن إلا للمباهاة و الفشخرة فيما بينهن باللباس و الزينة حيث بإمكانها (بلمسة زر واحدة) أن تستر و تكشف عن الفستان الذي بذلت في تصميمه الأموال الطائلة و الذي لن يلبس عادة إلا لمرة واحدة..فقط!

عباءة الزر اليتيم ربما ليست سوى تقليعة قد تندثر كمن سبقتها من التقليعات لتحل محلها تقليعة جديدة أكثر سفورا و ابتذالا (و البركة في الخياطين!)، و لا أستبعد فرضية اختفاء ذلك الزر اليتيم و حدوث (توأمة) في الشكل والمظهر بين العباءة النسائية و البشت الرجالي…. و إلى حين ظهور موضة جديدة ..يبقى الزر يتيما ينتظر من يواسيه ( أو من يزيله) .. حتى إشعار آخر!

(948)