يومي الأخير في البيئة.

عندما كنت أعمل على ظهر السفن كان همي الأول و الأخير هو أن أطلق حياة البحر بالثلاث، و أتخلص من تلك الحياة التعيسة التي كنت أحياها تحت ظل إدارة تخلت عن أبسط مسؤولياتها تجاه موظفيها، كنت مستعدا للتضحية بالراتب المجزي –في تلك الفترة- في سبيل الاستقرار المنشود، و بالتخصص الذي أمضيت 4 سنوات من عمري لدراسته، وقد كان لي ما أردت عندما أتيحت لي الفرصة في المجال البيئي وإن كانت بعيدة بعض الشيء عن المجال البحري إلا انني لم أجد اية صعوبة للتأقلم معها، بل نجحت خلال هذه الفترة الوجيزة نسبيا أن أضع بصمتي الخاصة وأن أكتسب في الوقت نفسه خبرة كبيرة في هذا المجال الجديد.

والإنسان بطبعه يحب الاستقرار و سرعان ما يتأقلم مع المكان الذي يعيش فيه قبل أن يشعر بانتمائه إليه، لذلك لم يكن قرار تركي لهذا المكان الذي وفر لي تلك الميزة والتي افتقدتها طوال عملي في البحر والانتقال إلى مكان آخر قرارا سهلا، بل تطلب مني الكثير من الوقت للتفكير في نتائج هذا القرار المصيري والاختيار ما بين البقاء وانتظار الترقية الموعودة أو القفز درجتين في مكان آخر، قبل أن ترجح الكفة في النهاية إلى مواجهة التحدي الجديد و انتهاز فرصة قد لا تتكرر أبدا.

سأفتقد بلاشك إلى وجود تلك المجموعة الرائعة التي أمضيت معها ما يقارب العامين والنصف كنا خلالها أكثر من مجرد زملاء عمل بل أقرب إلى العائلة الواحدة وهو ما كان سببا رئيسيا في حالة “اللاتوازن” التي كنت أعيشها قبل قبول العرض، على رأسهم” سيدي سليمان” أو “الحكيم”صاحب الحكايات والقصص الشيقة الذي استفدت منه كثيرا على المستوى الشخصي والعملي، أذكر أنني عندما قابلته لأول مرة ظننت أنه من موريتانيا قبل أن أكتشف أنه من الصومال الشقيق وذلك بسبب إصراره على الحديث بالعربية الفصحى!

سأشتاق أيضا إلى دفاشة العلامة “أبو حسني” جاري في المكتب طوال السنتين الماضيتين متأملا أن يكون رحيلي فاتحة خير بالنسبة له و أن ينال “الترقية” التي يستحقها عن جدارة، و كذلك إلى غلاسة “سالوم” صاحب المزاج المتلقب متمنيا له رحلة سعيدة في جزر المالديف..علما بأن الأخيرين كانا وراء سالفة المطعم التي لن أنساها بالتأكيد!

الشكر أيضا موصول لكل من “أبو معتصم” و“هاني” و“محمد عبدي” زملائي في نفس القسم والذين لم يبخلوا علي بأي مساعدة أو معلومة احتجتها وعلى رأسنا جميعا “فيصل” الذي طالما أرهقنا بتقاريره الكثيرة و إحصائياته التي لا تنتهي!

و هناك أيضا جيراني في نفس المكتب “بوسعيد” ورفيقي في رحلة كندا الأخيرة، و“وليد” الذي ساعدني كثيرا في مشروع إدارة الأزمات، و “أبونواف” الذي رحل عنا قبل فترة إلى إدارة جديدة متمنيا له النجاح أينما كان.

في الحقيقة هناك العديد من الأسماء التي لا تحضرني حاليا فالجميع كان رائعا بلا استثناء والجميع يستحق الشكر والتقدير.

لم يتسنى لي توديع أغلب من ذكرت نظرا لأن الجميع كانوا مشغولين بموضوع الانتقال، حيث آثرت ترك الهيئة بسلام مع آخر يوم لها في مبناها القديم، لكن بالتأكيد سأعود للزيارة حالما يستقرون في المبنى الجديد و بعد الرجوع من إجازتي التي آمل أن تكون خير بداية لي في مكاني الجديد.

أراكم على خير…

(1484)

أعجبتك المقالة ؟ يمكنك مشاركتها مع أصدقائك

أسامة

أسامة الزبيدي، مدون ومصور فوتوغرافي , من مواليد العاصمة الإماراتية أبوظبي في 1978 بحار سابق وموظف حالي ورجل أعمال على قد حاله

16 تعليقات -- هل تود أن تترك تعليق ما ؟

هذا الرمز * يعني أن الحقل مطلوب . بريدك الإلكتروني لن يتم نشرة