انشغلت صباح يوم أمس بتخليص معاملة متأخرة لي في دائرة البلدية، فشددت الرحال إليها مبكرا على أمل أن أنتهي من تلك الإجراءات قبل الزحام و سررت كثيرا عندما وجدت أن مظاهر النظام و الترتيب قد وجدتا طريقهما أخيرا إلى أروقة هذه الدائرة الحيوية، ففي السابق كانت البلدية تعتبر من أسوأ الدوائر المحلية أداءا و أكثرها تخبطا مما يجعل الواحد يفكر ألف مرة قبل أن يغامر بالدخول وسط المعمة البشرية في مبنى الدائرة، و لكن ذلك تغير بشكل ملحوظ بعد أن سيطر النظام على المكان و أصبح على كل مراجع أن يلتزم بدوره و أن ينتظر أن ينادى على رقمه آليا حتى يقوم بإنهاء معاملته، و مما زاد سروري أكثر هو الاستقبال الطيب و المعاملة المحترمة جدا من قبل الموظف العربي و التي قلما يقابل بها المراجع هذه الأيام خصوصا في فصل الصيف الذي تغلي فيه مشاعر و أعصاب الموظفين بسبب حرارة الجو اللاذعة، و مع أنني لم أمض سوى دقائق قليلة إلا أن ذلك كان كافيا لكي أخرج بانطباع جيد و أحس لأول مرة بأن هناك تطور كبير و أن الأمل مازال موجودا لكي يرتقي تصنيفنا من الدول النامية إلى الدول (الناضجة) ولو بعد حين!
ولكن هذا الإنطباع سرعان ما تبخر في المساء عندما ذهبت في جولة عائلية في مراكز التسوق بالمدينة، فحسب القواعد الفيزيائية المعروفة فإن المواد الصلبة تتمدد بالحرارة و تنكمش بالبرودة و لكن يبدو أن هذه القواعد تطبق و لكن بشكل عكسي على الأزياء النسائية فتتمدد في الشتاء و تنكمش في الصيف و تضيق، فلقد انزعجت كثيرا من كم المناظر الخادشة و الأزياء الفاضحة التي صار كثير من النساء لا يستحين من ارتدائها علنا، فقمصان (أبو صرة) غدت من الأزياء الاعتيادية جدا بل هي الموضة الطاغية هذه الأيام و هي القمصان القصيرة التي تظهر منطقة البطن و ما حولها ربما لتوفير مزيد من التهوية و كأن التهوية الموجودة أصلا لا تكفي! فخلال تجوالي وقع بصري على امرأة شبه عارية بشكل جريء و وقح جدا ليتمعر وجهي و تتدفق الدماء إليه من شدة الغضب و الغيظ، بعد أن شعرت أن الدول الاروبية صارت أكثر منا محافظة و احتشاما، فكدت أعود إليها لأنبهها على ضرورة الاحتشام و احترام عادات هذا البلد، و لكنني آثرت الانسحاب بهدوء خشية أن أنفجر في وجها و أكون كالذي ذهب ليكحلها فعماها و أفسد ما تبقى من رحلتي العائلية.
وجهتي التالية كانت إلى مركز(أبوظبي مول) المجاور و لم يكن الحال بأفضل من سابقه، فنفس المناظر التعيسة والأزياء العارية و مجموعات الشباب تتسكع هنا و هناك بلا هدف محدد بل ازداد غيظي أكثر عندما ذهبت إلى قسم الملاهي لأجد شابين يتقافزان بشكل غريب على جهاز إلكتروني و كأنهما قردين من قرود الشمبانزي لأكتشف لاحقا انه ذلك الجهاز ليس سوى جهاز لتعليم فنون الرقص!
أحسست بغصة و مرارة في حلقي بعد أن وجدت نفسي تائها وسط هذه البلبة و أنا الذي تعودت على الهدوء و السكينة على متن السفينة و رؤية نفس الوجوه (البريئة) كل يوم دون أن يكون من بينها صدر بارز و بطن عاري أو شباب يرقصون بلا حياء…. ولا أدري إلى أين سيقودنا هذا الانفتاح و أي حرية شخصية هذه إذا كانت بهذا الشكل ….فما نراه هو مهزلة بكل المقاييس لا تليق بمدينة محافظة لها موروثاتها الدينية و عاداتها.. فاليوم قمصان (أبو صرة) و غدا لا أستبعد أن نجد نساء يتجولن بلا قمصان!
(907)