Close

السفر الثقيل!

(1)

يبقى السفر الخفيف دون كتلة الأثقال التي أصطحبها معي دوما أمنية صعبة المنال بالنسبة لي، فمن مجموعة الحقائب التي بلغ مجموع وزنها أكثر من 60 كيلو و المئة و خمسين كيلو التي شحنتها جوا، إلى المتفرقات المحمولة باليد و التي تشمل حقيبة عامر التي تحوي أغراضه الخاصة (حليب، بامبز، محارم ورقية، حلويات للطوارئ,,, إلخ!)، و حقيبة التصوير التي لم أكتف فيها بحمل كاميرا الديجيتال الصغيرة فحسب بل لسبب ما اصطحبت كاميرا تصوير الفيديو و التي لم أستخدمها لاحقا إلا لدقائق قليلة لا توازي الجهد المبذول في حملها!
أما العذاب الحقيقي بالنسبة لي فتمثل في حمل حقيبة الكمبيوتر المحمول و الذي انتفخت عضلات ذراعي بسببها حتى بت أظن نفسي أحد أبطال كمال الأجسام، الجهاز نفسه غير ثقيل و لا أعتقد أن وزنه يتعدى الأربعة كيلوغرامات على أكثر تقدير لكن المشكلة تكمن في الحاجيات المتفرقة التي حشوت بها حقيبة الجهاز، فهناك ملف كبير يحوي مجموعة من الأوراق الهامة تشمل الشهادات الدراسية و المذكرات الرسمية و جميعها أشياء ضرورية يتحتم اصطحابها باليد خشية أن تضيع إذا ما وضعت وسط الأمتعة، و لا أدري لماذا أصر على اصطحاب مجلات و كتب معي داخل تلك الحقيبة بالرغم من قناعتي المسبقة التي اكتسبتها من خلال رحلاتي الجوية السابقة بأنني سأنشغل عن القراءة بنشاط آخر (النوم مثلا!) و مع ذلك دائما قمت بدس نسخة من مجلة السوبر الرياضية لم أقرأ منها سوى صفحات قليلة أثناء فترة الترانزيت!
و للأسف أنا شخص لا أحب أن أرتب أغراض السفر إلا في اليوم الذي يسبق السفر (زادت إلى ثلاثة بعد الزواج!) لذلك أجد نفسي أصبت بنوبة هيستيرية و تشنجات عصبية خشية أن أكون قد نسيت شيئا أعض عليه أصابع الندم إذا ما سفرت بدونه، و يا ليتني أستمع إلى نصائح أمي المتكررة بالتجهيز مبكرا لكنت وفرت على نفسي الجهد المبذول و الأعصاب المهدورة!
و كلما اعتقدت أنني اصطحبت كل شيء أجد نفسي أتذكر شيئا آخر فأسارع إلى دسه في حقيبة السفر قبل أن أنساه، أما الأشياء التي أتذكرتها خلال الوقت الضائع (بعد إغلاق الحقيبة) فلا مفر من دسها في حقيبة الكمبيوتر المحمول و التي تشمل عادة مشط الشعر، زجاجة عطر، فرشاة الأسنان، لذلك لا غرابة أن تنتفخ حقيبة الجهاز (المحمول) في النهاية حتى تصبح أشبه ببطن امرأة (حامل)!!

(2)

اليوم عرفت سر إصرار بعض الناس على السفر بمفردهم و اليوم أحسست بنعمة السفر(العزوبي) بعد الحفلة الصاخبة التي قام بها عامر في الطائرة و خلال فترة الترانزيت في مطار هيثرو، فالبداية كانت مع إقلاع الطائرة عندما رفض أن يجلس في حضني أو في حضن أمه أو حتى في الكرسي الذي خصص له بالرغم من صغر سنه، و أبى إلا أن يقف على الكرسي طوال الوقت و لم تفلح جميع محاولات الترغيب بالحلويات و لا الترهيب بالضرب التي يقابلها هو بدوره بالإرهاب متمثل في (العض) المتوحش أو (القرص) اللاسع! مما اضطرني أخيرا إلى استخدام العنف وإجلاسه بالقوة قبل أن تلتمهني نظرات المسافرين الأجانب من حولي!!
لحسن الحظ أن هذه الحفلة لم تدم طويلا قبل أن يخلد عامر إلى (فاصل إعلاني) طويل من النوم لم يستيقظ منه إلا مع هبوط الطائرة في مطار هيثرو ليبدأ فاصل جديد من الشقاوة مدعوما بفترة خمسة ساعات من النوم المتواصل في الطائرة!!

(3)

كان الجو باردا بعض الشيء و زخات المطر تتساقط على الأرض (كالعادة)عندما وصلنا ظهرا إلى مطار نيوكاسل الذي لم ألحظ عليه أي تغيرات سوى اختلافات بسيطة، و بشكل غريب تلاشت نوبة البرد و الاحتقان التي عانيت منها طوال رحلة السفر كانت خلالها أوراق المحارم الورقية لا تفارقني، أول عمل قمت به هو التوجه إلى مكتب Europcar و قمت باستئجار سيارة صغيرة من نوع فياتPunto لمدة أسبوع كامل، فالمشوار من المطار إلى البلدة باستخدام سيارة الأجرة يكلف أكثر من 30 جنيه في حين استئجار السيارة لمدة يوم لا يكلف أكثر من 20 جنيه استرليني!
تحولت الـ Punto الصغيرة إلى مخزن صغير مع مجموعة الحقائب و الأغراض التي بالكاد استطعت إدخالها داخل السيارة، و أحسست لوهلة بشعور غريب عندما جلست في مكان القيادة على الجانب الأيمن لا الأيسر كما تعودت خلال الثلاث سنوات الأخيرة، و خشيت أن تختلط علي القوانين كما اختلطت على صديق لي عندما قام بالالتفاف بشكل عكسي في أحد الدوارات و من سوء حظه كانت دورية الشرطة واقفة له بالمرصاد!
كانت الرحلة ممتعة من مطار نيوكاسل إلى بلدة ساوث شيلدز التي حدثتكم عنها، الطبيعة و الخضرة تلفان المكان، الشوارع منظمة و مرتبة كما عهدتها سابقا، لم أتعرف على الطريق بعد أن تداخلت علي بعض اللوحات الإرشادية لنجد أنفسنا عند نصب The Angle of The North الشهير فاعتبرتها فسحة للجميع قبل أن أجد الطريق الصحيح، تبرع ابن خالتي مشكورا بإيوائي أنا و أسرتي مؤقتا في شقته الجميلة المطلة على البحر و انتقل للسكن عند أحد الأصدقاء ريثما أجد منزلا مناسبا، لذلك سارعت إلى مكاتب تأجير المنازل في البلدة لأستفسر عن المتوفر لديها و قمت بتنسيق عدة مواعيد لمشاهدة حالة بعض البيوت و المنازل على أمل أن أجد ما يناسبني منها!

كانت هذه هي رحلتي من أبوظبي إلى ساوث شيلدز… و باختصار!

(1978)

8 thoughts on “السفر الثقيل!

  1. أرح نفسك وأطع أمك 🙂 الله يحفظها ويحفظكم

    سلمك الله، أكتب قائمة بأهم الأشياء التي يجب أن تضعها في الحقائب، وحاول أن تحذف كل شيء يمكنك أن تجده في البلد الذي ستسافر له حتى كلفك ذلك أكثر، لأن التكلفة الخفية تكمن في دفع مبلغ للوزن الزائد وكذلك في حرق الأعصاب الذي يستهلك طاقتك، المهم بعد أن تحذف من القائمة رتب حقيبتك قبل السفر بأيام وليس بساعات، أتذكر انني في رحلة ألمانيا قمت بترتيب الحقيبة قبل الرحلة بأسبوع تقريباً، والحمدلله لم أعاني من فقدان شيء، حتى أنني اشتريت بعض الأشياء من ألمانيا ولو كانت أغلى سعراً.

    بخصوص الملابس مثلاً، شخصياً أرى أن على الإنسان ألا يكثر من حمل الملابس، خذ معك ما يكفيك لأيامك الأولى وإذا احتجت المزيد فاشتره من هناك، في ألمانيا أخذت ثلاثة قمصان مثلها من البنطالات … (بنطالات .. بنطلونات … لا أدري 🙂 وطبعاً الملابس الداخلية يجب أن تأخذ ما يكفيك وزيادة تحسباً لأي ظروف.

    كانت شنطتي صغيرة وتحتوي كل ما أريد، ولم أعد بشنطة أخرى .. بقيت على الشنطة الصغيرة ولم أشتري شيئاً لي في ألمانيا، كل ما رأيته أجده هنا في الإمارات.

    طبعاً انت متزوج ووضعك بالتأكيد مختلف، لكن ثق تماماً أنك قادر على توفير الراحة لنفسك بالإعداد المسبق والتخفيف من الأشياء التي تأخذها معك.

  2. عبدالله:
    ياخي الكلام سهل لكن تطبيقه صعب جدا، فكم مرة حاولت أن أكتب قائمة بالأغراض و الحاجيات التي يجب علي اصطحابها و قائمة أخرى بالمشاوير التي يجب علي أن أنهيها و لكن دائما كلا القائمتين تتوسع بشكل غريب جدا حتى تتعطل فيوزات مخي و تصاب بالشلل التام!

    طبعا أنا مؤمن أن أمي حفظها الله على صواب لكن المشكلة أنها عادة متاصلى في أحاول قدر الأغمكان أن أغيرها و لكن هذا صعب جدا!

    عموما إلى الآن أنا لا افتقد شيء و لكنني أعلم انني سأكتشف شيئا نسيته كالعادة!

Comments are closed.