ضحكت كثيرا عندما قرأت الفقرة الحزينة التي كتبتها على جدار حجرة المضخات (أو حائط المبكى كما أطلقت عليه عندما كتبت عنه في بداية رحلتي الماضية) فلابد أنني كنت أشعر باكتئاب شديد جعلني أعبر عنه بهذه الطريقة (غير الحضارية)!، و ضحكت أكثر عندما قرأت عبارات الزملاء و الأصدقاء الذين تعاقبوا على متن هذه السفينة و إن كان يصعب قراءة أغلبها بسبب قدم تلك الكتابات من جهة و رداءة خط من تولى كتابتها من جهة أخرى!، إلا أنني تأثرت عندما وقع بصري على عبارة كتبها صديقي “حمد” تقول: ” أتمنى أن أكون مع أسامة و “فلان” على هذه السفينة” و أنا بدوري آمل أن تتحقق هذه الأمنية مستقبلا فـ “أبو حارب” أحد الأخوة الأعزاء ممن كان لي معه ذكريات جميلة خلال فترة الدراسة في بريطانيا، و الإبحار برفقته لا شك في أنها متعة لا توازيها متعة خصوصا إذا ما توفر جهاز “بلاي ستيشن” و دخلنا في تحديات لعبة كرة القدم!
يبدو أن الحظ تخلى عني هذه الرحلة فلأول مرة منذ فترة طويلة أجد نفسي وحيدا على متن السفينة بين الأجانب دون أي رفقة عربية و ذلك في حين توجد (شلة) كبيرة على متن الناقلة الشقيقة “مبرز” يصل عدد أفرادها إلى 4 من الشباب، و لكن الحظ في طريقه للابتسام من جديد بعد أن تأكد مقدم أحد الأصدقاء من الخليج بعد عدة أيام، إلا أنني مازلت أنتظر اليوم الذي يوطن فيه طاقم جميع الناقلات بدلا من هؤلاء الأجانب و إن كان هذا سوف يستغرق سنوات طويلة لكنه يبقى حلما سيأتي يوم ويتحول فيه إلى حقيقة بإذن الله.
هذه هي المرة الثالثة التي أبحر فيها مع”داق ليندفيك” و هو ضابط ملاحة نرويجي الجنسية أمضى على متن هذه الناقلة ما يقارب الست سنوات حتى بات يعد أحد (أهرامتها) و علاماتها المميزة، و “داق” كهل في الخمسينيات من عمره أمضى 37 منها في البحر إلا أن طموحه محدود بما هو عليه الآن دون أن يثقل على نفسه بتولي مسؤوليات أكبر، يعيش منذ فترة طويلة في البرتغال كحال كثير من النرويجان الذين هربوا من غلاء المعيشة في النرويج إلى العيش في دول أخرى، و يقال أن لكل واحد من اسمه نصيب و “داق” أيضا له من اسمه نصيب إذا ما ترجمناه إلى العربية العامية (“داق” تعني “مضروب” أو “معتوه” حسب لهجة أهل الإمارات!)، فمن ضمن العادات الغريبة التي دأب عليها “داق” طوال السنين الماضية هي الاتصال بشكل يومي بمنزله بواسطة هاتف السفينة لا لشيء سو الإطمئنان على صحة كلابه التي يعشق تربيتها حتى باتت صورها تملأ جدران غرفته دون أن تتجاوز مدة كل مكالمة الدقيقة الواحدة!
و بالإضافة إلى عشقه للكلاب يهوى “داق” الاستلقاء على شواطى “الجميرا” لذلك يحرص دائما على الإلتحاق بالسفينة أو مغادرتها من الخليج و قضاء ليلتين على الأقل في ربوع مدينة دبي ليتسنى له العودة ببشرة برونزية, و لكني أشك أن يقوم بذلك هذه المرة فحرارةالصيف كفيلة بأن ترجعه إلى بلده أشبه بضفدعة مشوية!!
(1012)