Close

عن البحر… لا تسألوني!!

قبيل سفري تلقيت مكالمة من أحد الشباب كان يحمل مجموعة من الاستفسارات عن دراسة التخصص البحري وطبيعة الحياة على ظهر السفن، و ليست هذه المرة الأولى التي أتلقى فيها مثل هذه النوعية من المكالمات فلقد تعودت في صيف كل عام و بالتحديد بعد ظهور نتائج الثانوية العامة أن أسرد قصة حياتي في المملكة المتحدة و مغامراتي على ظهر السفن لصديق من أصدقاء الوالد يود أن يلحق ابنه بهذا المجال، أو أحد خريجي الثانوية حصل على رقم هاتفي من قريب أو صديق وأراد سماع نفس الأسطوانة المشروخة التي سئمت شخصيا من تكرار سردها!

كان ذلك الشاب كغيره من الشباب -لا أنكر أني كنت واحدا منهم!- ممن يرسمون في مخيلاتهم صورا وردية عن السفر و الدراسة في الخارج و أن الحصول على البعثة الدراسية معناه انفتاح أبواب الجنة أمامه على مصراعيها و هو لا يدري أنه يخطو أول خطواته في جحيم الغربة و عدم الاستقرار التي أعاني لهيبها منذ أكثر من سبع سنوات، كما أنه كان يجهل أبسط المعلومات عن طبيعة الحياة على ظهر الناقلات و ليس هذا بمستغرب فهذا التخصص يعد من التخصصات الجديدة على سوق العمل في الإمارات مقارنة مع دول خليجية أخرى سبقتنا بمراحل مثل الكويت و السعودية فلا أعتقد أنني أبالغ إذا ما صرحت بأن عدد العاملين فيه لا يتجاوز المائتين مواطن على أقصى تقدير!

و حسب ما فهمته من كلام ذلك الشاب أنه تقدم مؤخرا بأوراقه إلى شركتنا التي تقوم بابتعاث عشرة طلاب سنويا إلى المملكة المتحدة لدراسة أحد التخصصين و هما الملاحة أو الهندسة البحرية ضمن خطتها طويلة المدى لتوطين أطقم السفن، كما أخبرني بأنه أمضى سنتين بجامعة الإمارات في العين أصيب على إثرها بمجموعة من الإحباطات من طريقة الدراسة و الجو الطلابي المحيط و جميعها عوامل لا تشجع على الدراسة على حد قوله!

حاولت جهدي أن أوضح له بعض من ملامح الصورة البحرية القاتمة عبر شرح مراحل الدراسة و الحياة في المملكة المتحدة و أن الكلية التي سوف ينتقل إليها ليست بأفضل حال من الجامعة ثم انتقلت إلى السفن و العزلة التي سوف يعاني منها بالإضافة إلى كم المصاعب الأخرى متجنبا الدخول في التفاصيل كوني كنت متواجدا عند الحلاق في تلك اللحظة!

و قبل أن أنهي المكالمة طلبت منه أن يفكر جيدا قبل أن يقدم على أية خطوة و لم أنس أن أوصيه بصلاة الاستخارة حتى لا يندم على القرار الذي اتخذه و كي لا يصاب بصدمة مستقبلية كالتي أصيب بها كل الزملاء الذين تورطوا في هذا المجال بعد أن غرتهم الكلمات المعسولة و وجدوا أنه لا مفر في النهاية من الحياة (البرمائية) التي لا تعترف سوى بمبدأ (البقاء للأطول نفسا).

من ضمن الأمور التي أستغربها أن كثيرمن الشباب و أولياء الأمور يسيل لعابهم على الراتب الذي يعدهم به مسؤولو الشركة و هم يجهلون أو يتجاهلون أن هذا الراتب يعتبر أكثر من عادي كون أغلب العاملين في شركات النفط في الدولة يحصلون على نفس الرواتب بل تفوق أحيانا في مقابل أوضاع عمل و مزايا أفضل بكثير، فأذكر أنني صادفت ذات مرة أحد الآباء جاء مرافقا لابنه للقيام بالفحص الطبي بعد أن تم قبوله ضمن المبتعثين، فدارت بيني و بينه دردشة سريعة و نحن في قاعة الانتظار علمت من خلالها أن أحد الأسباب الرئيسية في (توريط) ابنه في هذا المجال هو أن راتبه بعد التخرج سوف يكون (كذا و كذا) في الشهر….دون أن يسألني و لو سؤالا واحدا ينم على حرصه و خشيته على ابنه طوال فترة الدراسة.. و لا أدري هل أطلق على ذلك ثقة في الولد أم عدم اهتمام و جشع مبكر؟!

لا أدري حتى الآن هل تم قبول ذلك الشاب أم لا، فإن تم له ذلك فأهلا به ضمن مجموعة (صعاليك البحر) و إن قدر له غير ذلك فأعتقد أنه نفد بجلده و سيأتي اليوم الذي سوف يقدر فيه نصيحتي الغالية له بعدم المقامرة بمستقبله وسط أمواج البحر العاتية….!!

موجـــــــــة:
من حسن حظي أن قسم التدريب في الشركة سوف يصدر قريبا كتيب يضم أجوبة على كافة الاستفسارات حول مزايا البعثة الدراسية و طبيعة عمل الشركة … إلخ من المعلومات التي يحتاج لها كل طالب …و مع ذلك فمازلت أتوقع المزيد من الاتصالات العام القادم!

(911)