أحاول قدر الإمكان أن أكون ودودا لطيفا سهل المعشر و أن تكون علاقتي مع الجميع مبنية على الاحترام المتبادل دون أن يتجاوز أي منا حدوده مع الطرف الآخر، فالسفينة مع ضخامة حجمها تبقى أشبه بمجتمع مصغر لا يتجاوز عدد أفراده الثلاثين شخصا، و ليس من الحكمة إثارة العداوات و النزاعات مع أفراده خصوصا و أنني سأكون مجبرا على التعايش معها طوال فترة تواجدي على متنها، لذلك لا أحبذ الصدام مع أحد و دائما ما أجعله الخيار الأخير بالنسبة لي بعد استنفاذ كافة الخيارات الدبلوماسية.
خلال مسيرتي البحرية التي سوف تكمل عامها الثامن قريبا واجهت أشكالا و ألوانا من البشر و تراكمت لدي مع الأيام خبرات عديدة في كيفية التعامل مع كل نوع منهم، فالطيبة لها مواضع في حين قد لا تجدي في مواضع أخرى سوى الشدة و الحزم، و وصلت فيالنهاية إلى قناعة بأن من لا يحترم نفسه مستحيل أن يحترم غيره، فكما أن البحر يشتهر عنه غدره و تقلبه تجد الخصال نفسها متأصلة في أهل البحر و مغروسة بداخلهم، و لذلك العمل في هذا المجال يحتاج إلى أصحاب القلوب المتحجرة التي ليس لها القدرة على تحمل آلام الفراق و الوحدة فحسب بل الأصعب هو تحمل كم المضايقات و الاستفزازت لاسيما من قبل هؤلاء العلوج الأجانب الذين تدين لهم السيطرة على مقدرات الأمور و الذين يحاولون بشتى الطرق و الوسائل (تطفيش) الشباب المواطن و تشكيل بيئة طاردة لهم يدعمهم في ذلك المسوؤلين- الأجانب و المواطنين على حد سواء- في الشركة الذين لا هم لهم سوى كراسيهم خشية أن تحتل من قبل غيرهم!
هناك مقولة شهيرة تنص على أنه لكي تكون شرطيا يجب أن تتعلم حيل اللصوص و الخارجين عن القانون فيسهل عليك القبض عليهم، و لكي تصبح محاميا ناجحا يجب أن تكون ملما بكافة الثغرات القانونية التي قد يستغلها خصومك، و كذلك لكي تكون (علجا) لابد لك من إتقان فن الرقص مع (العلوج) و أن تفكر بنفس طريقة تفكيرهم و تتبع خبثهم و دهائهم في التعامل، ففي البحر “إما أن تكون ذئبا و إلا أكلتك الذئاب” ..! لقد علمتني الحياة في البحر الكثير…علمتني كيف أكون نذلا بعد أن تعلمت منه الصبر، و تعلمت منها الوقاحة بعد أن تعلمت الحلم، و تعلمت منها اللؤم بعد أن تعلمت الحكمة، أما حسن الظن و التعامل بشفافية و فقد وجدت أنها لا تفيد عند مخالطة هؤلاء العلوج الذين لا يرقبون فيك لا عهدا و لا ذمة وبعد أن جرت علي ويلات كثيرة و مصائب كنت في غنى عنها.
بالرغم من سلسلة المضايقات التي تكفي لكي يصاب الواحد بعقدة دائمة من الإنجليز و الأسبان و غيرهم من العلوج إلا أنني مازلت محتفظا بشعرة معاوية مع الجميع، لكنني لا أتردد في قطعها إذا ما كان في الأمر مساس بعقيدتي و مبادئي أو فيه اعتداء على خصوصياتي و هذا ما فعلته مع علج من هؤلاء العلوج الذي لم أجد مفرا من مجاراته اللؤم باللؤم و الخسة بالخسة بعد لاحظت أنه بدأ يغير من طريقة تعامله معي و النظرة الدونية التي يرمقني بها اعتقادا منه أنني (حمل) وديع يسهل عليه افتراسه، و لما وجدت أن سياسة (التطنيش) غير مجدية و أنه في غيه يتمادى كان التصادم حتميا فما كان منه إلا أن قرر بشكل طفولي الامتناع عن الحديث معي ظنا منه أنه بذلك سوف يلوي ذراعي و يدفعني إلى الاعتذار منه..! و لكن هيهات هيهات… فالرقص مع العلوج و الأنذال متعة ما بعدها متعة!
موجة:
إن الأفاعي و إن لانت ملامسمها…….عند التغلب في أنيابها العطب
(996)