نريد سوقا قديما..

قبل أيام كنت أتسوق في أحد متاجر العطور التي دائما ما أتردد عليه في سوق مدينة زايد، فأنا من المتسوقين الذين لا يحبون التغيير، حيث تعودت أن أقتني احتياجاتي من محلات إياها لا أحيد عنها، فالعمر أقصر من أن أضيعه في التجول داخل الأسواق.

المشكلة أن ذلك يغري بعض أصحاب تلك المحال برفع أسعار بضائعهم كونهم على ثقة أنني زبون وفي لمحلاتهم في حين يستغل البعض الآخر الفرصة للانتقام مني على فصول “تنشيف الريق” التي عادة ما تصاحب كل جولة شرائية!

من باب الفضول سألت صاحب المحل عن السبب الذي لم يدفعه للهجرة العكسية إلى السوق المركزي الجديد الذي أعيد افتتاحه مؤخرا والذي عوّض ما كان يعرف سابقا بمنطقة السوقين القديم والجديد، فمازلت أذكر موقع محله الصغير الذي طالما كنت أتردد عليه برفقة الوالد قبل ما يقارب العشرين عاما، والذي استمر إلى أن تقرر أن يتم إزالة المنطقة بأكملها قبل بضعة سنوات وإعادة تطويرها فيما يعرف بمشروع السوق المركزي.

العذر الذي ساقه إلي بأن سقف الإيجارات هناك عالي جدا ولا يشجع على افتتاح فرع هناك، كما أنه من الواضح أن المبيعات لديه (آخر حلاوة) والدليل على ذلك تواجد كثيف لأمهات الركب السوداء أقصد العباءات السوداء لدرجة أنه يصعب في كثير من الأحيان على أبو وزار وفانيلة (أستظرف كثيرا تلك التسميات للجنسين والمناوشات الحاصلة بينهما ضمن مسجات البلاكبيري وإن كنت أستنكر حدة بعضها!) أن يجد له موضع قدم له بالداخل.

تفاصيل ذلك الحوار أعادني بالذاكرة إلى سنوات جميلة ماضية سبقت هدم ذلك المعلم الشهير والذي كان آخر عهدي به في 2003 بعد أن شب في أحد السوقين حريق هائل  التهم عددا كبيرا من محلاته ، فلا أدري لماذا كلما تجولت في أنحاء المبنى الجديد أشعر بغصة وألم يعتصران قلبي، هذا المبنى الذي لم يكمل بعد عامه الأول منذ افتتاحه رسميا .

المبنى الحالي للسوق ذو الثلاثة طوابق ومثلها أو أكثر تحت الأرض خصصت كمواقف للسيارات لايبدو في نظري ونظر الكثيرين سوى مركز تجاري آخر لا يختلف كثيرا عن الطراز العام للمراكز التجارية المنتشرة في أنحاء العاصمة، بل شخصيا بت الآن أفضل التسوق في تلك (المولات) على هذا السوق الذي أجده غامضا كئيبا يفتقر إلى الإضاءة الجيدة والتهوية التي كانت توفرها الممرات الفسيحة والساحات الرحبة التي كانت تميز السوق السابق.

كلما مررت في منطقة السوق أبدأ في التأسي والترحم على حقبة جميلة من حياتي، ففي ممرات ذلك السوق كانت لي ذكريات جميلة وبين ساحاتها الرحبة شخوص مازالت خيالاتها موجودة في الذاكرة، وقد سبق لي أن سردت عن مجموعة من تلك الذكريات في تدوينة نشرتها قبل بضعة سنةات كانت بعنوان (هل المدنية تقاس بالأشياء الجديدة؟) .

في دبي هناك سوق الذهب وسوق مرشد، في الشارقة هناك السوق الإسلامي وسوق المجرة ، وإذا ما زرت الفجيرة فلابد أن تمر على سوق الجمعة، وقس على ذلك كل مدينة قريبة كانت أم بعيدة لابد أن يكون فيها سوق قديم تفوح من على جوانبه عبق الذكريات التي لا تنسى وتربط الجيل الحالي بالجيل السابق.

استيقظت من حديث الذكريات على صوت البائع الهندي وهو يناولني فاتورة مشترياتي من العطور، وتخيلت لوهلة التغيرات التي ستطرأ على ترتيب تلك الأرقام إذا ما أخذ بنصيحتي وقرر الانتقال إلى مبنى السوق المركزي الجديد، أعتقد أنه سيحتاج إلى صفر إضافي على اليمين طبعا، حينها لا أعتقد أنني سأعود للشراء منه مجددا!

*مصدر الصور

(5317)

أعجبتك المقالة ؟ يمكنك مشاركتها مع أصدقائك

أسامة

أسامة الزبيدي، مدون ومصور فوتوغرافي , من مواليد العاصمة الإماراتية أبوظبي في 1978 بحار سابق وموظف حالي ورجل أعمال على قد حاله

22 تعليقات -- هل تود أن تترك تعليق ما ؟

هذا الرمز * يعني أن الحقل مطلوب . بريدك الإلكتروني لن يتم نشرة

اترك تعليقاً