من يتجول في ساحات الإنترنت و المنتديات العربية يجد أنها زاخرة بمجموعة من الأقلام الراقية و الكتاب المتمكنين و المتميزين في طرحهم ممن لديهم قدرة عجيبة على شدك لما يقومون بطرحه و إجبارك على متابعة جديدهم أولا بأول، البعض منهم تجده متمركزا في منتدى من المنتديات مكتفيا بما يلمسه من صدى و تفاعل من قبل القراء مع ما يقوم بطرحه، و البعض الآخر له تطلعات و طموحات أكبر من مجرد التقوقع في المنتديات فيقوم بنشر إبداعاته في موقع خاص به مستغلا ما يمتع به من شعبية كبيرة تزداد يوما بعد يوم، مع ذلك تبقى جميع تلك الطموحات محدودة بعالم الإنترنت الإفتراضي… العالم الذي يعتمد بشكل أساسي على محركات البحث أمثال Google و Yahoo…!!
من كانت له نظرة ثاقبة سوف يلاحظ بالتأكيد أن بعض (كتاب الإنترنت) يتفوقون ثقافة و أسلوبا على كثير من كتاب الزوايا و الأعمدة في الصحف و المجلات العربية ممن يتخذون الصحافة و الإعلام مهنة لكسب العيش، صحيح أن أولئك يبقون مجرد هواة مع أن منهم الدكاترة و الأطباء و المهندسين و تبقى اهتماماتهم بالأدب و الرواية مجرد اهتمامات ثانوية إلى جانب تخصصاتهم الرئيسية، إلا أنني أتفق مع مقالة الأخ برجوازي بتاريخ 29/5/2004 التي دارت في فلك هذا الموضوع في أنهم يستحقون تسليط الضوء عليهم و تبني حروفهم الراقية من قبل المجلات و المطبوعات العربية و إعطائهم الفرصة لإثبات وجودهم خارج نطاق الإنترنت.
و لكن في ظل هذه الوفرة من المؤسف حقا أن تجد أن بعض من تلك الأقلام المتميزة قد ضلت الطريق أو اتخذت لها مسارات و اتجاهات غير واضحة المعالم، فهناك من سخر قلمه بشكل دائم في كتابة الخواطر الرومانسية و إبراز مشاعر الشوق و الهيام إلى محبوبه و ما يعانيه من ألم الفراق، و آخرون طوعوا حروفهم و كلماتهم للخوض في شؤون الكرة و شجونها حتى إذا ما اطلعت على مواضيع أحدهم حسبته محللا كرويا محترفا عالما بأسرار و خفايا الكرة المستديرة، و فئة أخرى جل اهتمامها منصب على السيارات.. أنواعها… محركاتها.. وقطع غيارها… فصارت همه الأول و شغله الشاغل.
فبالتأكيد لكل منا ميوله و اهتماماته و أحاسيسه التي يسعى لتجسيدها على الورق، و لكن ما أود أن ألفت الإنتباه إليه هو أن يكتب الكاتب لينفع لا ليقال عنه أنه كاتب متمرس أو ليجمع حوله شريحة من المعجبين و المعجبات…وكم هو جميل أن يسخر الكاتب ثقافته و جزالة أسلوبه في تنويع أطروحاته و محاور الكتابة لديه… فيكتب في السياسة و عن جراح الأمة الغائرة التي تعاني منها.. و يقترب من هموم وطنه و مجتمعه عبر تسليط الضوء على بعض الظواهر السلبية أملا في أن يساهم في تغييرها… و كم نحن بحاجة إلى من يبقينا على دراية بآخر التقنيات و التطورات العلمية الحديثة.. أتمنى ألا يفهم أحد أنني ضد الكتابة في غير ما ذكرت، فلا أجد مانعا من الكتابة في الرياضة بغرض الترويح عن النفس و نبذ مفاهيم التعصب والتشنج بين الجماهير.. و عن السيارات و تقنياتها على أمل تتوج في يوم ما بصناعة سيارة عربية…و لست ضد الخواطرالعفيفة الراقية الخالية من إيحاءات جنسية و إبراز لمفاتن المرأة و لكن أي هي الآن؟!
ما أدعو إليه باختصار هو الكتابة الهادفة المفيدة التي تبني القيم و تدعم مخزون الثقافة لدى القراء … نريد كتابا يتفاعلون مع عالمنا الواقعي و ما يطرأ عليه من أحداث و مستجدات لا كتابا يعيشون في عوالم وردية يسرحون بخيالاتهم و خيالات القراء في فضاءات زائفة من الحب و الرومانسية و يصرفون اهتمامات الشباب إلى أمور ثانوية تافهة لا تزيد هذه الأمة إلا خيبة و ضعفا على ما هي عليه!
شجون قلم:
فرحت كثيرا عندما راسلتني إحدى المطبوعات العربية تطلب إجراء مقابلة صحفية بخصوص الموقع، اعتقدت خلالها أنها فرصة سانحة لنشر ما لدي وسط شريحة أكبر من القراء و دافع لي لتقديم المزيد، و لكن للاسف تحولت تلك الفرحة (الوقتية) إلى حلقة أخرى تضاف إلى سلسة الإحباطات التي يتعرض لها كل من يظن أن له بصمة في عالم الإنترنت!
(899)