يوميات طالب مغترب (1)….البداية!..

كثير من الناس يسألونني عن أيام دراستي في بريطانيا و عن الوصفة السحرية التي كنت أتبعها لتحمل مشقات الغربية و أعبائها، أذكر قبل عشر سنوات بالضبط وبالتحديد سنة 97 عندما سافرت لأول مرة إلى بريطانيا، كان ذلك بمثابة حدث استثنائي في حياتي ونقطة تحول كبيرة، فلم يسبق لي أنا خضت تجربة السفر والتغرب عن أهلي لفترات طويلة ناهيك عن طبيعة المجتمع الذي كنت سأهاجر إليه والتي تختلف بالكلية عن مجتمعنا العربي المحافظ.

كان كل شيء من حولي يبدو جديدا و غير مألوف، الجو بارد والثلج الأبيض يكسو المكان، وجوه الإنجليز التي تشوبها الحمرة أيضا لم تكن مألوفة لدي، فمشاهدة أجنبي أو خواجة كان مقتصرا على أمكان محددة في البلد كالشركات الكبرى والأندية الرياضية أو تلصصا على النساء من بين فتحات الحواجز والأسوار التي وضعتها إدارات الفنادق على شواطئ البحر المخصصة لها!

كان مشاهدة منظر مجموعة من الفتيات الشقراوات يخرجن من ملهى ليلي في مدينتنا الصغير بمثابة حدث استثنائي قد أتحدث به مدة أسبوع مع أصدقائي، و قد تطول المدة إلى شهر إذا ما كانت إحداهن ثملة أو لباسها كان عاريا! (سوالف شباب)!

أبوظبي 97 لم تكن كما هي الحال الآن، كان التسوق فيها استعداد لهذه السفرة بمثابة الكابوس، فالخيارات كانت محدودة جدا، لايوجد سوى حامد سنتر.. و حمدان سنتر.. و لا أدري لماذا تشاركا بلقب (سنتر) فكليهما ليسا سوى مجموعة من الدكاكين الصغيرة التي تبيع ملابس وسلع مقلدة على أساس أنها ماركات أصلية، و لكن في تلك الفترة كان شراء بنطال أو تي شيرت من هناك يعادل التسوق في محلات دبنهامز الشهيرة أو Next!

طبعا لم يكن هناك حل بديل سوى اللجوء إلى دبي، المدينة المجاورة والتي كانت ومازالت تسبق العاصمة بمراحل، ففي حين لم يكن لدينا سوى (حامد و حمدان)، كانت دبي تحتضن العديد من مراكز التسوق العملاقة كمركز الغرير وبرجمان ووافي سيتي ثم جاء العملاق ديرة سيتي سنتر الذي ضم العديد من محلات الملابس والأزياء العالمية الشهيرة، ألا يعتبر ذلك غريبا أن لا تمتلك العاصمة مركز تسوق تجاري يليق بها! طبعا الوضع تحسن بعض الشيء في السنوات الأخيرة بعد افتتاح مركزي أبوظبي مول و المارينا مول، اللذان أحدثا نقلة نوعية في مفهوم التسوق وصار كل منها قبلة لأغلب سكان العاصمة في ظل استمرار محدودية الخيارات مقارنة بالجارة دبي!

نوريج هو اسم المدينة التي درست فيها اللغة الإنجليزية، و هي مدينة جميلة تقع في الجزء الجنوبي الشرقي من بريطانيا ضمن مقاطعة ايست أنجليا، وهي تبعد حوالي الساعتين عن العاصمة لندن، و بها إحدى أفضل معاهد تدريس اللغة الإنجلزية و هو معهد The Bell Language School، الذي يبدو أنه أغلق مؤخرا آخر معاقله هناك بسبب ضعف الإقبال وزيادة مصاريف الإنفاق!

مازلت أذكر جيدا مدير المعهد، السيد جون ماهوود، ومازلت أذكر لحيته الكثة بنية اللون التي كنت أستغرب من إطلاقه لها إلا أن وصلت إلى قناعة في النهاية بأنه (يهودي) طبعا هذه القناعة غذيت بالإشاعات التي كان يروجها الطلاب العرب عنه!، أيضا أذكر تلك المدرسة المتصابية اسمها ليزا كانت متزوجة من رجل سوري كان طالبا من طلابها قبل أن تقرر الزواج به، وهناك مدرسة أخرى من أصل أرجنتيني اسمها ماريا و التي درستني أغلب الحصص، و أيضا هناك جون آخر كان يدرسنا المصطلحات البحرية مع زميله مارك كوننا كنا مبتعثين من قبل شركة بحرية أثبتت مع مرور الأيام فشلها في مشروع التوطين المزعوم.

سأتوقف الآن، ولكن في المرة القادمة سأحكي لكم عن طلبة المعهد وعن بعض المواقف التي تعرضت إليها خلال تواجدي هناك….

(1878)

أعجبتك المقالة ؟ يمكنك مشاركتها مع أصدقائك

أسامة

أسامة الزبيدي، مدون ومصور فوتوغرافي , من مواليد العاصمة الإماراتية أبوظبي في 1978 بحار سابق وموظف حالي ورجل أعمال على قد حاله

12 تعليقات -- هل تود أن تترك تعليق ما ؟

هذا الرمز * يعني أن الحقل مطلوب . بريدك الإلكتروني لن يتم نشرة